وجودنا في عصر الرقمية واللجوء إلى المكتبات الإلكترونية، دفع كثيرون إلى الاعتقاد بـ"موت الكتاب الورقي"، و"موت المكتبة العامة" لكن الواقع يثبت العكس، هكذا تحدثت فالنتينا قسيسية؛ الرئيسة التنفيذية لـ"مؤسسة شومان"، خلال ندوة "المكتبة كمحرك للتغيير".
وأضافت خلال الندوة، التي حضرها نخبة من المكتبيين والمثقفين من دول مختلفة، أن المكتبات ظلت على الدوام، قادرة على توفير عوامل الجذب لروادها، والتأثير فيهم بواسطة آليات تقديمها للمعرفة، مؤكدة أهمية دور المكتبات في النهوض بالمجتمعات، وانخراطها في العملية التعليمية؛ عن طريق توظيف التقنية الرقمية في المكتبات العصرية".
ومن جهته، شدد مدير خدمات مكتبة هلسنكي المركزية الجديدة؛ الفنلندي "كاري لامسا"، على حاجة الأفراد لمكتبات توفر محتوى تعليمي ومعرفي يحقق إضافة نوعية على حياتهم.
وقال لامسا: "نحن بحاجة إلى المكتبات؛ لأننا بحاجة إلى أماكن دافئة نحتمي بظلالها ونقضي جل اوقاتنا فيها"، مبينًا أن فنلندا يتواجد فيها نحو 36 مكتبة، متوزعة بين العاصمة والقرى ومراكز التسويق.
وأشار إلى أن أهم مميزات المكتبة العصرية بتوفيرها المساحة المريحة للقراء، بالإضافة إلى تأمين كافة المعدات لروادها، والتعاون معهم من أجل تطوير فعاليات مناسبة لهم.
وتابع: "تسعى مكتبات فنلندا منذ سنوات عدة، إلى التحول من مكتبات فرعية صغيرة إلى مكتبات كبيرة في أماكن نشطة مليئة بالأحداث، مع جعل الناس يتمتعون بخدمات مرئية ضمن أجواء صوتية مختلفة".
وحول آلية عمل مكتبات فنلندا، قال لامسا: "نعمل بكل جهدنا على تصميم كل ما يحتاجه القارئ، والاستماع إلى العملاء جيداً، ومنح موظفي المكتبات الوقت لتدريب أنفسهم، وفتح الأبواب أمام المستخدمين لمواكبة التطوير والتجدد". واعتبر لامسا، أن فنلندا ستكون قادرة على تقديم أفضل الخدمات المكتبية للمواطنين، عليها أن تخوض تجربة "المدينة الغنية" التي أنشأها سكانها أنفسهم، إضافة إلى مواكبة الريادة اليومية الذكية، وإنشاء فضاءات مفتوحة للجميع، بحيث لا تسعى إلى تحقيق الربح المادي.
وتحدث مستشار المكتبات العامة الهندية، د. بشير شادراك، عن أهمية القراءة في المجتمعات وعن كيفية استخلاص تجربة وطنية مثيلة هدفها التشجيع على القراءة.
وقال: "فكرة المكتبات بالنسبة للأحياء الفقيرة تكاد تكون مفقودة، وهي بحاجة إلى إعادة تفعيل وتلمس مواضع النقص هناك، ومحاولة الوصول إلى شعب قارئ"، مضيفا أن "علينا إيصال مفهومي القراءة والكتاب إلى الذين لا يستطيعون الحصول عليه".
وأكد شادراك، أن المكتبات بات لها تأثيرها على نمط حياة الافراد، بصرف النظر عن مستوى ثقافاتهم ودراساتهم، إلا أن 60% من مستخدمي المكتبات، يريدون أن تكون المعلومة آنية وفورية.
وأوضح أن كثيرا من المكتبات تقوم بدورها الريادي على أكمل وجه، لكنها تفتقد المستوى المناسب بالتفاعل مع المستفيدين؛ وهو من شأنه أن يحافظ على أهمية المكتبيين وأهمية المكتبة للمجتمع المحيط بها.
ورأى أن الضرورة تقتضي مواصلة تقديم خدمات محسنة باستمرار؛ كدعم البحوث، ومحو الأمية المعلوماتية، والبرامج التي تعود بالنفع والفائدة على المجتمع.
أما المديرة التنفيذية لخدمات المكتبة وتجربة العميل في مكتبة "جيلونج"، الأسترالية كاثرين فيرينز، أكدت أن الأهمية تقتضي التواصل المستمر مع رواد المكتبات؛ ليكون صوتهم مسموعا، وتكون رحلة العميل والعمليات اليومية في المكتبات تصب، في نهاية الأمر، لأجل مصلحته.
ورأت ضرورة تطوير القطاعات والعاملين على المنصة الرقمية من جامعات ومؤسسات حكومية وغيرها، وتطوير المكتبات الخاصة بها وتدريب الكوادر على كيفية إدارتها.
وبحسبها، فإن على المكتبات السعي والتركيز على توفير أفضل خدمة ممكنة للعملاء، وأن تكون ذات استعداد في تغير نمط سلوكياتها لخدمة المستفيدين، وإعادة تعريف وتحديد المستفيدين من الخدمات المكتبية؛ للوصول إلى حالة من التحسين المتواصل.
وبشأن تطوير الأداء، بينت "فيرينز" أن المكتبات تتطلب التزاما مستمراً في الاستمرار بتحسين الجودة، وبالتالي إعادة بناء النظام الداخلي للمكتبات؛ لإحداث تعديلا جذريا يستجب للاتجاهات التقنية الحالية، لافتة إلى أن دراسة الطرق المناسبة للتعامل مع المستفيدين، يساعدنا في التعامل الأمثل مع الازمات، بمشاركة والتزام كافة العاملين بالمكتبات على جميع المستويات الإدارية.
ونظمت الندوة في مؤسسة "شومان"؛ وهي مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار المجتمعي.