"إن لحظة من الظلام لا تعني أن الناس قد أصيبوا بالعمى"، هذه عبارة "غبريال غارسيا ماركيز" التي تشير إلى دور النخب الثقافية، أو النخب بشكل عام في التغيير.
وتحت عنوان "النخب والأزمات العربية: رهانات المستقبل"، استضافت مؤسسة شومان الثقافية الدكتور محمد بن عيسى؛ الأمين العام لمؤسسة منتدى "أصيلة"، ليتحدث عن دور النخب العربية، وأدار النقاش رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
وقال الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، د. محمد بن عيسى، إن مشروع الوحدة العربية لا يمكن أن يتحقق بالقوة ولا بالتوسع والهيمنة، لافتًا إلى أن فكرة الوحدة الاندماجية ليست سوى "طموح" غير قابل للتحقق.
ودعا بن عيسى، إلى ضرورة استعادة النظام الإقليمي على أسس جديدة، وفق حقائق المرحلة وتجارب العالم الناجحة في الاندماج، لافتا إلى أن "المأزق الكبير"، الذي تعاني منه النخب العربية؛ هو "الماضوية الجامدة" التي تتدثر بغطاء الشرعية الدينية.
ورأى أن التسلح بالنظرة الاستشرافية الحية، يساعد على صناعة التاريخ، ويكرس فاعلية الإنسان وإرادته الحرة.
وأشار إلى إن العالم العربي، يعاني من خمس أزماتٍ كبرى، الأولى تتعلق بانهيار الدولة الوطنية التي اختفت في بعض الساحات العربية، وتعرضت لانتكاسة قوية في ساحات أخرى، وأصبح من المطروح اليوم الحديث عن مستقبلها وإمكانات إصلاحها وإنقاذها من الانهيار.
أما الازمة الثانية، رأى بن عيسى، أنها تتصل بالوضع المسدود الذي وصل إليه النظام الإقليمي العربي؛ الذي ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان هدفه ومبتغاه هو توحيد الأمة العربية وتحقيق مقومات الاندماج بين بلدانها.
لكن الأزمة الثالثة متعلقة بـ"المأزق بين العلاقات بمنطقة الجوار الجغرافي"، وهي، وفق بن عيسى، تخص القوتين الإسلاميتين اللتين تنتميان إلى منظومة الشرق الأوسط بمفهومه الواسع أي إيران وتركيا.
وبالنسبة للأزمة الرابعة: متعلقة بتوقف مسار التسوية السلمية للصراع الفلسطيني العربي- الإسرائيلي الذي شكل طيلة 70 سنة الماضية الإطار الناظم للدبلوماسية العربية ومحور الاهتمام الفكري والسياسي العربي.
ولفت إلى أن الأزمة الخامسة تتصل بالمسالة الدينية، أي بما يشهده عالمنا العربي من تصاعد موجة التطرف الديني العنيف ومدى تأثيرها على تكريس الكراهية والغلو والتشدد، وعلى ما تقود إليه من تدمير المجتمعات وتقويض علاقة المسلمين بالعالم.
وتساءل بن عيسى عن دور النخب في ما وصل إليه عالمنا العربي من أزمات عصية، لكنه في هذا السياق، رأى أن النخب تشمل الزعامات السياسية والصفوة المثقفة، والقوى المدنية الفاعلة، منبهًا إلى أهمية تناول النخب أدوارها ومسؤولياتها في معالجة الوضع العربي الراهن.
وأكد أن الدولة الوطنية هي "الضمانة" الحقيقية لتأمين المجتمع من الفتنة والتصادم، بما تقوم عليه من هياكل إدارية بيروقراطية ومؤسسات قانونية، لافتا إلى أن هذه الدولة المركزية لا تتعارض ضرورة مع البنيات الاجتماعية العصبية والطائفية.
وأوضح بن عيسى، أن التجربة الأوروبية قدرت الدولة الوطنية في وحدة المجتمعات والبلدان ومنحها هوية قومية مشتركة، مبينًا أن تجارب العالم كشفت عن أن الأمة الواحدة تتوزع إلى كيانات سياسية متعددة، كما أن أغلب دول العالم متعددة ثقافيًا وقوميًا رغم تجذر هوياتها الوطنية.
واعتبر أن التحدي الكبير المطروح أمام النخب العربية اليوم، يتمثل بإعادة تصور الموضوع الفلسطيني، وتحديد أدوات وآليات إدارته، بعد أن أدت المعادلة العملية التي كرسها الاحتلال إلى استحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة.
كما بين أن النخب العربية تحتاج اليوم، إلى وقفة حقيقية لمعالجة الأزمة المتعلقة بالموضوع الديني؛ لتصحيح أخطاء نظرية وعملية عديدة طغت على الوعي والخطاب في العقود الماضية.
وبن عيسى، يشغل حاليا منصب الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة (موسم أصيلة الثقافي الدولي)، حاصل على الدكتورة الفخرية بالقانون في جامعة منيسوطا في الولايات المتحدة. عمل بن عيسى، خبيرًا دوليًا في الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة، انتخب نائبا في البرلمان المغربي، كما تولى وزارة الثقافة، وعمل سفيرًا للمملكة المغربية في واشنطن، كذلك وزيرا للشؤون الخارجية والتعاون.
أما "شومان"؛ هي مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار المجتمعي.