مريد البرغوثي: أواصل أشغال من ظل حيًا.. وأدفئ «رضوى» من البرد

الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي

انتقل بقصائده وحكاياته بين "رام الله، القاهرة، بيروت، وإيطاليا"، وبنبرة خافتة ولغة دقيقة طاف على بساتين المفردات، ليضيء منتدى شومان الثقافي بصوته الدافئ، وسط حضور عماني كبير وتفاعل واسع من المهتمين بالشأن الثقافي. مُفرداً، شاهقاً، شرفتي غيمة دللتها السماء،

أطل على شاطئ جنة،

قال أخضرها كل أقواله هامسا، هادرا

فستقي الذوائب، يوشك يلمع،

أخضر يرضع، يحبو،

يكاد يشيب إلى المشمشي المضيء،

ويدخل في الصدئي الموشى كما قشر رمانة أوغلت في النضوج

وأخضر فيه الدخاني، يهرب من زرقة خالطته

خلف أزرار هذا القميص الخفيف، أواصل أشغال من ظل حيا: أدفئ رضوى من البرد

بقصيدة "خلود صغير" بدأ الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، الاحتفال بإشهار ديوان "استيقظ كي تحلم" الصادر عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت. ويتضمن الديوان مجموعة قصائد كتبها بين الأعوام ٢٠٠٥- ٢٠١٨، حيث أدارت الحفل د. غادة خليل، وتحدث عن سياق الديوان الشاعر تميم البرغوثي، بمصاحبة العازفين عمر عباد (عود) ورلى البرغوثي (قانون).

 

ووصفت د. غادة خليل، "البرغوثي" بأنه "منحازا للجمال ودفق الحياة ورواية المظلوم والكبرياء، بعيدًا عن الغموض، وقريبًا من الحميم والحار والحقيقي والعفوي. وتابعت: "تقول قصائد "مريد" أكثر بكثير من لقطاتها ومشاهدها وكلماتها ومفارقاتها، ثمة لغة خفيّة تترقرق كماء نبع لا يكف عن الجريان تسمعها فيما لم تقله القصائد، فضاء فلسفي واسع، أشبه بوشوشة خفية تحرر وتعتق وتوحد البشر مع كل أرث عظيم".

 

وتساءلت غادة خليل، هل سنواجه الزيف وتكتب تاريخا آخر كما فعل المريد؟ هل سنواجه القبح بالجمال والكذب بالحقيقة؟ أم سنحتفي بدخان الحروب ونياشين التاريخ الرسمي المتربع فوق الحطام؟،و هل نستيقظ لنحلم فتطول قاماتنا نخيلا طيبا يؤتي أكله كل حين كدرويش ورضوى عاشور أم ننام و"ننسى كأننا لم نكن؟".

 

وترى أن ديوان البرغوثي يلخص سيرة شعرية، لغتها طين الأرض وطزاجة العشب وملامح الناس ومفارقتها زخم الواقع وعمق الرؤية والتجربة، مبينة أن "مريد" يعلمنا أن البسيط هو البليغ وأن القليل هو الكثير.

 

وقرأ البرغوثي، عددًا من القصائد المختارة "دون ضجة، موسيقى بلا نحاس، مدت يدها، في مديح الأشباح، القبطان، القرية سكتت في العام الأول، سلة الفواكه، طاعة الماء؟ تمر الحياة بنا، فليحضر التاريخ، منطق الكائنات".  

كما ألقى قصيدة "موسيقى بلا نحاس"، التي تتسم باختزال عالم من الأسرار والتفاصيل، ومنها:

"أعرف أنها لا تجيب لكني، بين غارتين

سألت الحرب أسئلة بسيطة:

من أين تأتين بهذه الهمة؟

أتعلمين أنكِ لم تطلبي إجازة

من عملك على أرض البشر

منذ كان البشر؟". وفي كلمته، قال الشاعر تميم البرغوثي، إن ديوان "استيقظ كي تحلم" محاولة لعقد سلم ما مع البقاء، والتحديق في الحُلم الموجع حتى يكون، والتحديقِ في الكابوس حتى يزول، وهو محاولة للرد، على ألمنا، نحن الثلاثة، ونحن جميعاً، وعلى الخروج من ليلنا المنتصف، نحن الثلاثة ونحن جميعاً، وهو دعوة للنفس وللناس، نداء من منتصف اليل، لمن شاء أن يرى ويسمع: أن استيقظ كي تحلم.

 

وعن سياق الديوان، قال البرغوثي إن "الشعر أعلى الكلام، ولا يوصف الأعلى بالأدنى، لذا لن أصف الشعر الذي ستسمعونه، ولكن وددت شرح الظروف التي كتب فيها، إذ كاد عنوان ذلك الديوان أن يكون تنبؤاً، فقد دخلت أسرتنا الصغيرة، ليلاً طويلاً، فقدت فيه أمي أخاها أولاً، ثم أمها، ثم فقد فيها أبي أمه، ثم غابت "رضوى عاشور" بعد مرض قاتلته أربع سنوات أصبنا خلالها بالأمل الموجع في الشفاء التام مراراً، ثم فقدنا عمي مجيداً العام الماضي".

 

البرغوثي منذ بداياته الأولى كان مختلفاً، وكان يبحث في المعيش اليومي وفي كلام الناس ومفرداتهم وإيقاعات حياتهم. وعاد من خلال ديوان "استيقظ كي تحلم"، لحيويته النابضة والثابتة على معايير الجمال المشبعة بأنوار الغزل.

 

تنقل وعمل في أماكن عديدة (القاهرة وعمان والمجر)، وتزوج الروائية المصرية رضوى عاشور، لكنه نجح بعد أن عاد إلى بلدته، في نقل نبض الحياة اليومية وعذاب الناس.

 

يذكر أن، "البرغوثي" صدر له العديد من الدواوين الشعرية منها: "الطوفان وإعادة التكوين"، "فلسطيني في الشمس"، "نشيد للفقر المسلح"، "الأرض تنشر أسرارها"، "قصائد الرصيف"، "طال الشتات"، "رنة الإبرة"، "منطق الكائنات"، "ليلة مجنونة"، "الناس في ليلهم"، "زهر الرمان". كما صدرت اعماله الشعرية في مجلدات جزأين، وفي مجال النثر صدر له: "رأيت رام الله"، "وُلدت هناك، ولدت هنا".

 

و"شومان"؛ مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار المجتمعي.

مقالات متعلقة