"ليس رحلة في المكان، فحسب، بل رحلة في العقل والتاريخ الإسباني الذي يمتاز بالتسامح بما أسس له العرب هناك.".. من هذا المنطلق صدر كتاب "على دروب الأندلس" الذي ينتمي لأدب الرحلات للباحث والروائي الفسطيني د. سميح مسعود، عن الآن ناشرون وموزعون.
يأخذ الكاتب، القارئ في رحلة إلى بلاد الحلم الأندلس، ويستهل الرحلة بالحديث عن ولعه القديم بالقراءة ورحلته من خلال الأسفار إلى تلك الأرض من خلال قراءة التاريخ والمسرح. وفي 400 صفحة، يذهب المؤلف خلال رحلته لإثراء النص وزخرفة الحكايات بالربط بين المكان والأحداث التاريخية وتصوير جماليات المكان، وذكر أسماء المشهورين الذين عاشوا في المكان حديثًا وقديمًا، مضيفًا على الرحلة مخزونه الثقافي الواسع بسرد القصص ببساطة متناهية وكأنه لا يكتب، بل يحدث القارئ بحميمية ودهشة.
ويسرد الكاتب، بداية فكرة الرحلة من خلال عدد من الأصدقاء الاسبان، ورحلته إلى مصر، ثم إلى المغرب التي تيسر له الرحلة وتعرفه بعدد من الأصدقاء الذين يقدمون له معلومات غنية.
ومن هذه العلاقات معرفته لفتاة أميركية في كندا، وهي معجبة بالأندلس واللغة العربية وتغني الموشحات، وكذلك صديقتها الاسبانية التي تتقن العربية والتي فتحت له نافذة على الحضارة الأندلسية والمستعربين الاسبان الذين اهتموا وحافظوا على الأدب الأندلسي وتراثه، وساهموا في تعميق العلاقات العربية الاسبانية. وخلال الرحلة التي دامت ثلاثين يومًا، زار الكاتب ست مدن أندلسية ومر بمدريد العاصمة، ووصف خلالها العمارة واستعاد التاريخ وربط بين الماضي والحاضر لغرناطة، وقرطبة وملقا وأشبيليا ورندة وطليطلة. ويتوقف الكاتب عند كل ساحة ونافذة وباب ودرج وجدار ليستذكر حكايات الذين عاشوا في هذه المدن وصنعوا حضارتها، ومنهم ابن زيدون، ابن رشد، الولادة بنت المستكفي، لسان الدين الخطيب، وعباس بن فرناس ومحي الدين بن عربي وابن حزم الأندلسي.
وتتداخل الحكايات بين الماضي والحاضر التي يستذكر فيها بيكاسو الذي رسم الجرنيكا، والرسام غويا، وارنست همنجوي الذي كتب لمن تقرع الأجراس التي تتحدث عن الحرب الأهلية الاسبانية، ورواية "حسين ياسين" عن مناضل فلسطيني قاتل مع الثوار الاسبان ضد الدكتاتورية واستشهد في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي واسمه علي عبدالخالق.
ويستعيد رواية الخيميائي لـ"باولو كويلو" التي جرت أحداثها الأولى في جزيرة طريفة الأندلسية، وتأثر لوركا بالشعر العربي والزي العربي والحياة العربية وثقافتها، وتضمن شعره لعدد من المفردات العربية . في رحلات المؤلف لم يكن مجرد سائح، بل رسول لقضيته العربية والفلسطينية التي نجدها في حواراته الكثيرة مع الطلبة والناس الذين يلتقيهم والمستعربين الأندلسيين، ولقاءاته مع الهيئات والجمعيات العربية هناك.
ويتوقف عند الكثير من الرمزيات العربية التي ما تزال باقية في المكان، ومنها العمارة والكتابة والزخرفة والعلم الأندلسي والمآذن والقباب والأواني الخزفية التي ما تزال تجارة رابحة للزوار ونقش عليها بالعربية لا غالب إلا الله، وكذلك الروح العربية في وجدان الاسبان وانتمائهم العربي في الحس الشعري للموشحات ورقص الفلامنكو وتأثرهم بالمطبخ العربي، وأسماء محال عربية باسم القدس ودمشق.
ويشير الكاتب إلى حنين كثير من الأسبان للروح العربية التي أسست للحضارة العالمية الحديثة، مستشهدًا بما كتبه المستعرب الأندلسي "أميلو": "أن الاسبان كانوا عربًا في طريقة تفكيرهم، وأن هناك الكثير من الأسماء التي أثرت في النهضة الأوروبية، ومنها ابن طفيل وسواه كثيرون".
وعلى غلاف الكتاب الأخير كتب "خوسيه ميغيل بويرتا" من جامعة غرناطة: "إنه عمل كثير التفاصيل، دقيق الوصف، شيق الأسلوب، يروي الحقائق بطرية ممتعة وشاملة تسترعي الأنظار، وهو ضروري لكل من يهتم بالحضارة الأندلسية وبرؤية الأسبان المعاصرين للماضي العربي لبلادهم".