بعد تحقيقه أصداء كبيرة ونجاح جماهيري، تحويل المسلسل التليفزيوني الشهير "الدماغ قصتك The Brain: The Story Of You"، الذي عرض على قناتي pbs الأميركية، وbbc البريطانية، لنسخة ورقية باللغة العربية في كتاب يحمل عنوان "الدمـاغ.. أسطــورة التكــوين". صدر الكتاب حديثًا عن الآن ناشـرون وموزعون، في عمّـان، وترجمه الأكاديمي الأردني د. خليل شحادة القطاونة، عن المؤلف الأميركي ديفيد إيجلمان، الذي تحول كتابه لمسلسل تليفزيوني، كما صدر له من قبل كتاب "التخفي.. الحياة السرية للدماغ" ويدمج الكتاب بين قدرات التكوين البيولوجي للدماغ وإمكانيات التطبيقات العلمية التي طوّرت الذكاء الاصطناعي لتحقيق قدرات جديدة للدماغ البشري تساهم في فهم أكثر عمقًا للذات وللكون والوجود.
وينقسم الكتاب الذي يقع في 227 صفحة، على مقدمة وستة فصول، وهم: "من أنا، ما الواقع، من يتولى القيادة، كيف أتخذ قراراتي، هل أنا بحاجتك، كيف سنكون في المستقبل"، ثم سرد بالمصطلحات التي تفيد القارئ في تفسير بعض المفاهيم العلمية. يمثل "الدماغ.. أسطورة التكوين" رحلة في تجاويف الدماغ الذي يقوم بعدد من العمليات التي تتصل بالقرارات والأحلام والوعي وتطور الإنسان، فكل خبرات الإنسان وثقافته تشكل في مجموع تفاصيلها الدماغ.
ويرد علم النفس، على أن الدماغ هو المسؤول عن مكونات الهوية للإنسان عبر شبكة من الدوائر الكهربائية التي تجعل من كل فرد لا يشبه الآخر، وأن كل ما يحدث للكائن من لذّات وسرور وآلام يجري في تلك الكتلة الهلامية التي لا تزيد في وزنها عن الثلاثة أرطال إنجليزية.
تقوم الفصول التي اشتمل عليها الكتاب على دراسات وتجارب استفادت من التطور العلمي للتصوير الطبقي والرنين المغناطيسي، فضلاً عن تقنيات خاصة بمختبر المؤلف التي تدرس الدماغ تشريحيًا وفسيولوجيًا.
وتأتي أهمية الكتاب الذي صدر ملونًا ودُعِّم بالصور والرسوم التوضيحية من الآراء الجديدة في علم الدماغ التي تتناول مستقبل الإنسان وإمكانية تجاوزه للعجز الجسدي إلى أفاق خيالية نتيجة دمج التكنولوجيا وبيولوجيا الجسد.
قدّم المترجم، سطور وفصول كتابه بلغة سهلة ورشيقة، وشرح المفاهيم ببساطة تجعل من الكتاب في متناول المختص والمهتم والقارئ الذي يسعى وراء المعلومة.
وعمد المترجم بلغته الأدبية إلى إضفاء نوع من الجمال على النص دون أن يؤثر ذلك على محتواها العلمي. ويقول في تقديم الفصل السادس عن مستقبل الإنسان: "جسم الإنسان تحفة فنية غاية في التعقيد والجمال- بل سمفونية تُشارك في عزفها أربعون ترليون خلية بتناغم وانسجام- رغم كل هذا إلا أنه لا يخلو من العيوب، وحواسك تضع حدودًا على ما يمكنك الإحساس به، وجسمك ضعيف، ولكن ماذا لو استطاع الدماغ فهم أنواع جديدة من المدخلات وأخضع لسيطرته أنواعًا جديدة من الأطراف لاختراق حدود الواقع الذي تعيشه؟".
وأضاف: "نحن لحظة تاريخية يتحد فيها علم الأحياء مع التكنولوجيا لينقلا الدماغ إلى آفاق جديدة أبعد من قدراته الحالية، بحيث نتمكن من اختراق الشيفرة الوراثية للإنسان وتوجيه مسار المستقبل، وهذا سوف يغير حياتنا نحن البشر تغييرًا جذريًا".
وأهمية الكتاب لا تتوقف عند القراءة التشريحية لفهم العمليات التي يقوم بها هذا الجهاز الكمبيوتري الضخم، بل تذهب إلى فهم الكون كنظام تأسس أيضًا على مقدرة الدماغ في تكوين تصوراتنا عن الكون الذي ندور فيه "العالم خارج دماغنا هو مجرد طاقة ومادة، وعبر ملايين السنين من التطور أصبح دماغنا قادرًا على تحويل المادة والطاقة التي تحيط بنا إلى خبرة حسية عن وجودنا في هذا العالم".
وصدر للدكتور خليل القطاونة؛ 17 بحثًا ودراسة علمية منشورة باللغتين العربية والإنجليزية في دوريات علمية دولية محكمة، وله عدة كتب مترجمة منها: "المدخل المفهومي في تصميم المناهج والتدريس، تخوم الجزيرة العربية، وفاة النظرية التربوية (مقال علمي)، ومئة عام من تصميم المناهج (مقال علمي)".