أكثر ما يثير الفضول عند شراء رواية ما عنوانها، وإلى جانب الفضول عن أحداث القصة، يجذب الكاتب عين وعقل القارئ بعنوان جذاب وغير مألوف، وهذا ما أراده الكاتب في رواية "الوباص". وكلمة "الوبّاص" تعني البراق اللون، أو القمر، وهو اسم علم للشخصية الرئيسة في الرواية الصادرة حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، في عمان، للكاتب الأردني تامر راضي.
تقوم الرواية على أحداث خيالية تحدث في مدينة "الحرجف" التي يقضي قانونها بقطع رأس من تثبت عليه الخيانة، غير أن زعماء القبائل يجمعون على ضرورة المحاكمة العادلة لمن ارتكب مثل ذلك الإثم، ولكن التغول على القانون هو الذي يثير الفتنة ويوقد نارها التي تأكل الأخضر واليابس، وتتداعى القبائل لانعقاد مجلس الحرب للتشاور بين رؤساء القبائل لاتخاذ قراراتهم الحاسمة.
تقع الرواية في تسعة فصول، ويحمل كل واحد منها عنوانًا يتعلق بالحدث الرئيسي الذي يقود التطور الدرامي لمجموع المشاهد التي اشتغل عليها الكاتب بروح الدراما والتقطيع السينمائي التي تصب بمجموعها في اكتمال الحكاية.
تذهب الرواية التي تدور أحداثها في مكان افتراضي وزمان غير محدد لتصوير الصراعات بين القبائل بإسقاطات تطاول الراهن مستفيدة من بيئة الصحراء ومناخاتها القاسية لتصوير المعاناة الإنسانية التي تحيط بأهلها.
وتميل الرواية، التي تقع في 350 صفحة، إلى الخيال الذي يأخذ القارئ إلى عصر العمالقة والعظام وزمن القوة والفخر وكذلك الحكمة والضعف الإنساني الذي يرسمه الفرسان على أنغام تقارع السيوف.
تنطوي الرواية على الكثير من الرمزيات التي تحمل جملة من التأويلات التي لا تتصل بالواقع والماضي وإنما بأحلام الناس ومستقبلهم للخروج من الواقع، ومنها شجرة النذيرة وهي شجرةٌ جرداء فقدت هيبتها وربيعها وتشبّثت جذورها الواهنة قمةَ جبلٍ عالٍ، وكانت رمزاً وعنواناً للوحدة والوفاق فحلّت عليها اللعنة وأضحت سبب الفراق، إلى أن عَلقَ منديل أحمر بأحد أغصانها فتجددت الآمال وأصبحت نبراسًا للعاشقين والمحبين والطامحين في دروب التغيير.
تدور حكاية الرواية في منطقة تحمل اسم "رأس الخيل"؛ لأن جُغرافية المكان يشبه شكل رأس حصان، أما البيئة فهي وعرة تتنوع بين الجبال الشامخة والوديان السحيقة، وكان الماء سبب النزاع ومحور المقاومة وسر الوجود.
تذهب الرواية في عدد من الخطوط الحكائية التي تتحدث عن الظلم والظلام والخيانة والآلام والحب والعشق ويحيط بالحبكة بعض الغموض في الصراع بين الوباص "الملك الصارم"، وشيحان (الجوزل)، وهو لقب يعني فرخ الحمام الأبيض، ويكون لكل من هاذين البطلين قضية يدافعان عنها، فينتهي الصراع على أسوار أكبر مدينة وأكبر حصنٍ فيها فيما تظل القضية عالقة وشائكة في عقل القارئ كنص مفتوح يتيح للقارئ أن يتصور ما تنتهي إليه الحكاية.
ولا تخلو الرواية في عدد من خطوطها السردية برسم مشاعر الناس ووجدانهم بتصوير قصص الحب التي يعيشها الإنسان في ظل أوجاع الحروب وآلامها، والتي تشير إلى أن الإنسان مهما قست عليه الظروف سيبقى قلبه نابضًا بالحب والخير. يرصد الروائي، في روايته الأولى اللحظات الحاسمة في تاريخ البشر والتي تتسم بالاضطراب والتي تكشف عن الأوجاع التي ترافقها ومعادن الناس في الصبر والمقاومة.
ويرسم الروائي، نهاية الحكاية بإشارة رمزية بالتركيز على ورقةٌ خضراء أينعت على أحد الغصون اليابسة التي تشير لولادة جديدة مع تضاؤل صوت طرق الحديد من أحد أقطاب الرواية وأبطالها الذي قضى مسموماً في مشهد يحمل الحياة والموت في آن معًا الذي يقول إن سر الحياة هو في تضاداتها التي تجمع بين الألم والفرح.