يحاول الشاعر فارس نقولا، قراءة ظلال الأشياء على الذات وتقلباتها النفس من خلال قصائد وأبيات مجموعته الشعرية "هوس" الصادرة حديثًا عن الآن ناشرون وموزعون. تحتوي المجموعة الشعرية، التي تقع في 80 صفحة من القطع الوسط، على 16 نصًا التي تحمل غالبيتها عناوين مفردة، مثل: "لهفة"، "قلق"، و"حزن"، وهي في نفس الوقت عناوين موحية، ومنها: "ظلال"، "تكوين"، "امرأة"، "العمى"، "غزل"، "خواء"، "أوطان". ولا تبتعد قصائد وعناوين المجموعة الشعرية عن ذلك الشغف في اكتشاف الذات وعلاقتها مع الكون التي تتماهى فيها النفس مع الوجود ليرى فيه ملامحه وصوته، و"الهوس" هو الشغف بالشيء وارتفاع المزاج والتعلق بالشيء.
ومن أجواء المجموعة الشعرية:
مِنْ صَوْتِ الرّيحِ القادِمِ مِنْ شَفَتيِّ الكونِ صَرَخْتُ وَرَدَّدَ صَوْتي كأني بِلاد مِنْ خَلْفِ مَعاني اللاشَيء ظَهَرْتُ لأُعيدَ مَعاني الأشْياء ..
وتتضح في هذه الأبيات الفكرة الصوفية التي تسيطر على الشاعر، حينما يتأمل الوجود ليرى فيه مرآته، أو تفاصيل ملامحه، الوجود الذي يكوننا ونكونه في آن معا.
وبالكيفية نفسها يخاطب الشاعر عناصر الوجود الأولى: الماء، الهواء، النار والتراب، فيقول: في القصيدة التي حملتها المجموعة عنواناً ليعيد تشكيل الواقع بالمتخيل:
سَيُمْطِرُ وَجْهُكَ
جَسدًا جَـديـدًا بألــفِ وَجْهٍ حَتّى سَتَـنسى وَجْهَكَ المـألـوف
وفي ذلك اللايقين الذي يعيشه الإنسان وهو يبحث بشكل مضن في أسرار الكون، ربما يتوه عن نفسه، في ظل عبثية الحياة.
يُحَدِّقُ في قَلَقي وَجْهٌ يَتَساءَلُ أيْنَ أنا ! فَيَصيرُ عِقابًا أنْ نَزْرَعَ بَسْمَة وَتصيرُ شَرابًا لُعْبَتُنا العَبَثِيَّةُ مِنْ أوَّلِ رَشْفَة
إن الحياة التي يواجهها الشاعر بالنص تبلغ من الغموض حد القبول بأنصاف الأشياء، وأحيانا الصمت، ويذهب الشاعر خلال ذلك إلى تذويت النص الذي يصبح معه النص صورة للذات ومعبرا عنها.
والنصوص عند الشاعر هي مجموعة من الأسئلة أكثر مما تنطوي على إجابات، وهي أسئلة مفتوحة على اتساع النظر الذي تضيق فيه العبارة لتصيبنا الحيرة والقلق والخوف والحزن والصمت.
يا أيُّها الرُّوحُ
في ذاتِ المعاني كَفــاكِ البَـوْحُ
وَالعُـمْـرُ كَفاني
شِقّــانِ كُنّـا
مِنْ جَسَـدٍ وَروحٍ كالرُّوحِ تَبقينَ
والجَسَدُ كَفاني
كَمْ مَرَّةً مِتُّ
بِطَيّـاتِ القَـوافي فَلَـمْ تَكْـفِني
شَهوَةُ الأكفانِ
ويعود إلى نقطة البدء التي تمثل احتمالات الحياة بمتخيل الحلم والبراءة التي تجرحها مسننات الحياة وأنيابها المتوحشة.
في البَدْءِ رَفَّتْ روحي فَوْقَ الماء في البَدْءِ لَمْ تَصْنَعْ يَدايَ سَماء في البَدْءِ ما نَطَقَ الهَواءُ باسمه في البَدْءِ يا تَعْويذَةَ الأسْماء في البَدْءِ حينَ تَكَلَّمَ التُفاح في البَدْءِ قال الرَّب لَن نرْتاح في البَدْءِ قَبَّلنْا الحَياةَ بِثَغْرِها في البَدْءِ صارَ الحُبُّ غَيرَ مُباح