"عشم إبليس في الجنة".. يعرف الملايين هذا المثل جيدًا، يستخدمه الكثيرون يوميًّا؛ تعبيرًا عن شيء حشر في خانة المستحيل حدوثه، وأدرج في قاموس العدم، وها هو حُشر إلى الأزمة الخليجية، فارضًا حالةً من التشاؤم بشأن إمكانية حلحلتها في الفترة المقبلة.
الأمر يعود إلى تصريح صدر عن مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية أحمد بن سعيد الرميحي، ردّ فيه على التقارير التي تحدثت حول نية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مشاركة دولة خليجية أخرى مع قطر في تنظيم كأس العالم في 2022.
قال المسؤول القطري في تغريدة عبر "تويتر": "أي جيران ؟ جيران الغدر والخسة !! بالنسبه للتنظيم المشترك.. هذا عشم إبليس بالجنة"، وقد كان ذلك ردًا على تصريح لرئيس مجلس تحرير قناة "العربية" عبد الرحمن الراشد، الذي قال إنّ "الدوحة لا ترغب في مشاركة جيرانها بتنظيم مونديال 2022".
وكان رئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو قد قال - في يناير الماضي - أثناء تواجده بالإمارات خلال بطولة كأس أمم آسيا، إنّ "فيفا" يدرس مدى إمكانية توسيع كأس العالم 2022 في قطر لتشمل 48 منتخبًا، ويبحث كذلك مدى إمكانية أن تساعد دول خليجية قطر في استضافة بعض المباريات.
بعد ذلك، قال رئيس اتحاد كرة القدم في الكويت الشيخ أحمد اليوسف، لصحيفة "الرأي" الكويتية، إنّ شروط الاستضافة أو المشاركة في استضافة بعض مباريات كأس العالم لا تنطبق على بلاده، مشيرًا إلى أنّه من الصعب تطبيق بعض شروط "الفيفا" الرئيسية على أرض الواقع في الكويت، وأبرزها السماح لجميع الجنسيات وبينها الإسرائيلية بدخول أفرادها إلى البلاد وإصدار تأشيرات فورية لها لحظة وصولهم، وبخاصةً أنّ الشرط المذكور يحظر منع دخول أي جنسية سواء أكانت تتبع المنتخبات أو المشجعين.
أمّا الإمارات - فعلى لسان وزير خارجيتها أنور قرقاش - أعلنت أنّ "النقاش الدائر حول عجز قطر عن استضافة كأس العالم دون مساهمة من جيرانها يتجاوز الرياضي واللوجستي"، وأضاف أنّ "هذا النقاش يؤكد الاحتياج الطبيعي للدول إلى محيطها".
تشير هذه التطورات إلى هزة جديدة في العاصفة السياسية التي هبّت على الخليج منذ الخامس من يونيو من العام قبل الماضي، حين قررت دول مصر والسعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر وفرص حصار بحري وجوي عليها بداعي دعم الإرهاب، بينما تنفي الدوحة هذا الاتهام عن نفسها، وتتحدث عن محاولات للنيل من سيادة قرارها الوطني.
وبعد فترة ركود، تحركت مياه الأزمة الخليجية في الأيام الأخيرة، بدأ بزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد - الاثنين الماضي - إلى الكويت التي تقود جهود وساطة لحل الأزمة، ولقائه بالأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، حيث بحثا تناولت الأزمة الخليجية والعلاقات الثنائية والملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
كما كان متوقعًا، وربما السائد في مثل هذه الأجواء، لم يتم الإعلان عمّا آلت إليه المباحثات، لكنّ اللافت هو ما حدث في اليوم التالي، حيث بعث أمير الكويت، في اليوم التالي، برسالةً إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وكالة الأنباء السعودية "واس"، ذكرت أنّ ولي العهد استقبل المبعوث الكويتي، حيث تبادلا الأحاديث حول العلاقات الأخوية بين البلدين، إضافة إلى استعراض مستجدات الأحداث في المنطقة.
تزامنت هذه التطورات مع زيارة كان قد أجراها وزير الدفاع الكويتي الشيخ ناصر الجابر الصباح إلى الإمارات، والتقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي.
قُرأ أنّ هذه الزيارة ترتبط بما لحقتها من تطورات، لكنّ الخارجية الكويتية على لسان نائب الوزير خالد الجارالله نفى وجود أي رابط بين زيارة أمير قطر إلى الكويت وبين زيارة وزير الدفاع إلى أبو ظبي.
الجار الله قال في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنّه ليس هناك ربط على الإطلاق بين الزيارتين، باعتبار أنّ زيارة النائب الأول إلى الإمارات كانت مقررة مسبقًا.
وفيما يتعلق بجهود الوساطة الكويتية بشأن الأزمة الخليجية، صرح الجارالله: "ليس هناك أي جديد في ما يتعلق بهذه الوساطة، لكن أستطيع أن أؤكد أن الحرص من قبل الكويت على مواصلة هذه الجهود وهذه الوساطة مستمر، وستبقى الكويت حريصة على أن ترى هذا الخلاف وقد طُوي بين الأشقاء".
وأضاف: "نحن منفتحون على أي أفكار ممكن أن تُقدّم، وفي الوقت نفسه نحن على استعداد لبلورة أفكار يمكن أن تسهم في تحريك الجهود الهادفة إلى وضع حد لهذا الخلاف الذي طال أمده بكل أسف".
هذا الحراك الدبلوماسي منح قدرًا من الأمل نحو إحداث اختراق في جدار الأزمة الخليجية، لكنّ اللهجة القطرية تشير ربما إلى أنّه لم يحن وقت التهدئة، وبالتالي استمرار التصعيد في الفترة المقبلة.
يتفق ذلك مع ما كشفه موقع "تاكتيكال ريبورت" الأمريكي، المختص بمتابعة الشؤون الخليجية، الذي قال إنّ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد رفض التجاوب مع وساطة أمير الكويت لحل الأزمة الخليجية.
ونقل الموقع عن الجار الله أنّ هناك محاولة كويتية جديدة للتوسط في الأزمة قام بها وزير الدفاع الكويتي ناصر صباح الأحمد الصباح، الثلاثاء الماضي، من خلال زيارة لأبو ظبي التقى خلالها ابن زايد.
وذكر الموقع الأمريكي أنّ "الصباح أجرى مباحثات مع ابن زايد ركزت على مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبخاصةً الأزمة الخليجية المستمرة"، وأنّ "الوزير الكويتي فشل في إقناع ابن زايد بأن يتعهد بالمساعدة في تسهيل وساطة أمير الكويت التي تهدف إلى وضع حد للأزمة".
تصريحات الجار الله تحمل الكثير من التشاؤم لا سيّما عندما قال على هامش احتفال السفارة الهندية في الكويت بعيد الاستقلال نهاية يناير الماضي، إنّه لا يوجد أي أفق لحل الأزمة الخليجية، أو حتى ما يوحي بالحل أو بإمكانية احتواء هذا الخلاف.
وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة "الرأي": "التأزيم لم يتوقف وكذلك الحملات الإعلامية"، مشيرًا إلى أنّ الكويت تشعر بالألم إزاء ذلك.
وتعليقًا على تصريح سابق لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن قطر رغم تطوير علاقاتها مع تركيا وإيران والعراق فإنّ علاقتها مع مجلس التعاون لا مفر منها، صرح الجار الله: "الأشقاء في قطر من حقهم تطوير علاقاتهم مع الآخرين، وذلك لا يعني ابتعادهم عن مجلس التعاون".