لقطات قصيرة من الحياة، وقعت في الشارع أوالسوق أو العمل، قرر الكاتب العُماني محمد بن سيف الرحبي، أن يعيد مونتاجها جماليا ويثريها بالموسيقى التصويرية واللقطات التعبيرية التي تمنحها صفتها، في مجموعته القصصية "أنواع".
وصدرت مجموعة "أنواع" عن "الآن ناشرون وموزعون"، إلى فن القصة القصيرة جداً أو الومضة أو الإلماعة التي تقوم على الاختزال والتكثيف والصورة البصرية. وتمثل عناوين المجموعة التي تقع في 77 صفحة، نافذة مفتوحة للتأويل، حيث تقودنا لجيوش من الكلمات التي تتصل بالنوع، ومنها: نوع الكتابة، أصل الأنواع، وهي الكلمة التي تشير إلى التصنيف وتعدد الأشكال، أو اتفاق المتغيرات المختلفة باجتماع صفة توحدها.
ويقول "جيرار جينيت" حول العلامات التي ينطوي عليها أيّ كتاب، فإن اختيار لوحة الحمار العازف على العود وهو يغني وأمامه نوتة موسيقية توحي بنص قبلي ينطوي على المفارقة التي تحمل الضجيج الذي يملأ الدنيا بالنشاز.
ويقول الناقد عبدالله المتقي: "يختار الرحبي عنوان "أنواع" ليسم بها مجموعته هذه ويسميها، واختاره أن يكون متسما بالعمومية على شكل نكرة، وغير مضاف إلى شيء، وبالتالي هو لا يعطينا دلالة خاصة أومعنى محددا".
وحتى في كل العناوين الداخلية المرتبطة بالنصوص، اختارها الكاتب مفردة، بالتعريف وبالتنكير، ومنها الاسم أو الصفة أو الفعل، مثل:"طيب، فخامة، اطمئنان، معاليها، تغيير، اختطاف، ضمائر، فاتورة، مواطن، تناقض، عبث، الراعي، وأغنية".
وهي كلمات مبهمة لا تدل على شيء دون ارتباطها بالنص المتعين، وارتباطها بالواقعة التي يسجلها الكاتب بعين لا تخطئ الصيد للموقف المفارق.
والقصة القصيرة جدًا، تنتمي للتراث العربي في جذورها وسلالتها التي عرفت بأدب الرسائل، إلا أن القصة القصيرة جدا أو الومضة أو الإلماعة تختلف في موضوعاتها ومقاصدها وجمالياتها وسبلها البلاغية.
كما تفيد القصة القصيرة جدا من الحقول الفنية في تراسلها مع السينما والدراما والشعر، وغير ذلك من العلوم الطبيعية وظواهر الكون، وربما هذا ما أوحى للقاص محمد بن سيف الرحبي اختيار عنوان مجموعته "أنواع" التي تحمل القارئ لعدد من التأويلات. ومن أجواء المجموعة القصصية: "وهو ينام على إحباطه رأى في حلمه أنه أصبح لاعب كرة قدم، أعطاه الحكم ضربةَ جزاء لأن هناك من أسقطه في المنطقة المحرمة، سددها قويةً في الشباك، ورقص فرحا أنه خرج من منطقة إحباطه، لكن في الإعادات أثبت الحكَم أنها في الشباك الخلفية".
والقاص محمد بن سيف الرحبي، قاص وإعلامي، وأحد كتاب القصة البارزين، وله اهتمامات بالكتابة المسرحية وتجربة في كتابة الرواية، وله أكثر من عشرة كتبا، منها: "بوابات المدينة، ما قالته الريح، أغشية الرمل، وقال الحاوي". وصدر له مجموعات قصصية، منها: "حكايا المدن" سرد عن المكان، "شذى الأمكنة" رحلات صحفية، و(بوح سلمى) الذي ترجم إلى الروسية، ورواية "رحلة أبوزيد العماني"، "الخشت"، و"السيد مرَّ مِن هنا".
فازت مجموعته "ما قالته الريح" بجائزة النادي الثقافي للإبداع القصصي، وجائزة أفضل إصدار في الأسبوع الثقافي العماني، وفازت رواية "رحلة أبو زيد العماني" بجائزة الشارقة للإبداع العربي في فرع الرواية، ورواية "الخشت" بجائزة جمعية الكتاب العمانيين في فرع الرواية.