بلغ الموت السوري كل الصنوف البشعة، قتلًا وذبحًا وتجويعًا وتهجيرًا وحتى سياسةً، فبعدما تدخّلت روسيا وإيران من أجل الحفاظ على كرسي بشار الأسد رئيسًا جاءت حانت اللحظة التي يتقاسم فيها الجانبان كعكة الانتصار على أنقاض دولة كان اسمها سوريا.
ولأنّ كليهما تدخّل لجني أكبر قدر ممكن من المصالح، كان من المتوقع أن تندلع حرب خلافات بين من وقفا سويًا إلى جانب الأسد للقضاء على الثورة، وهو ما حدث الآن، بعد ثماني سنوات من اندلاع الاحتجاجات ضد النظام.
يقول المرصد السوري إنّ الصراع الروسي - الإيراني في الداخل السوري يحتِّم وقوع ضحايا، حتى لو لم تكن الضحية مقتولة أو جريحة، إلا أن الهدف الأبعد من إيقاعها هو ما يجعلها فعلاً ضحية.
الصراع الروسي الإيراني رغم أنّه لا يزال متمحورًا حول النفوذ على الأرض السورية، إلا أنه يلبس أشكالًا وألوانًا مختلفة، وكان آخر ما رصده المرصد السوري لحقوق الإنسان هو الصراع عبر المساعدات الغذائية.
ويمكن القول إنّ السنوات الثماني التي عانت فيها معظم الأراضي السورية من الحرب والقتال والدمار والقصف والتي عادت في الوقت ذاته على المواطنين بالجوع وفقر الحال وضعف القدرة الشرائية والنزوح والتشرد والتهجير، أتاحت للقوى التي تريد خلق أرضية سورية لوجودها، أن تلعب في ملعب المشاعر وتعزف على وتر سوء الأحوال المعيشية التي زاد وجود هذه القوى المتصارعة من سوءها.
خلال الثلاثة أيام الماضية، وزّعت القوات الروسية مساعدات على مناطق في القطاعين الغربي والشمالي الغربي من الريف الحموي، إذ وزعت هدايا للأطفال ومساعدات إنسانية وغذائية ضمن المناطق القريبة من خطوط التماس مع الفصائل المتطرفة والمقاتلة الواقعة ضمن المنطقة منزوعة السلاح.
جاء ذلك في الوقت الذي تستغل فيه القوات الإيرانية حاجة السكان في غرب الفرات والجنوب السوري والمنطقة الممتدة بينهما، ومدهم بالمساعدات الإنسانية والغذائية، من خلال المطابخ الخيرية وغيرها من المراكز التي تمد المواطنين بالمساعدات، وتقديم الرواتب للمتطوعين بمبالغ تبدا من 150 دولارًا أمريكيًا.
وفي الأسابيع الأخيرة، ظهر جليًّا الصراع السياسي والإقليمي الدائر بينهما على أرض ليست لهما، إذ أنّهما حليفان لجهة واحدة، ومتحالفان في الوقت ذاته مع جهة هي ألد أعداء حليفهما الأول، فروسيا وإيران اللتان تتنافسان وتتصارعان على النفوذ داخل الأراضي السورية، في حين في الوقت ذاته تتحالفان مع تركيا التي يعدها النظام السوري أحد ألد أعدائه.
في الوقت الذي يجري الترقب لعقد اجتماع ثلاثي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني، فإن المناطق السورية تشهد تجسد هذا الصراع بأشكال مختلفة.
المرصد السوري تحدّث عن استمرار القوات الإيرانية وسط هذا العداء، بعمليات توغلها الفكري لتوسعة نفوذها العسكري وسيطرتها داخل الأراضي السورية، كما واصلت تحركاتها في نطاق تجنيد مزيد من العناصر ضمن صفوفها، والتقرب من السكان وتنفيذ مزيد من عمليات "التشيُّع" عبر ضم المزيد من السكان للمذهب الشيعي، من خلال دفع أموال أو تقديم معونات أو محاولة حل قضايا عالقة بالنسبة للسكان.
كما أنّ بداية الكف الروسي ليد إيران داخل الأراضي السورية وإبعادها عن الحلول الداخلية والمشاركة فيها، على الرغم من التمدد الإيراني العسكري وعلى مستوى المفاوضات، كانت بعد وقف العملية العسكرية لقوات النظام وحلفائها عقب السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري والاكتفاء بما تقدمت إليه قوات النظام عقب تمكنها من السيطرة على عدد كبير من القرى في القطاعين الشرقي والجنوبي الشرقي من ريف إدلب، وامتناع الروس والنظام عن التقدم لفك الحصار عن بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب الشمالي الشرقي، اللتين كانا يقطنهما مواطنون من الطائفة الشيعية مع آلاف المقاتلين من أبناء البلدتين، لتمتنع إيران وحلفاءها عن المشاركة في عملية الغوطة الشرقية، أو جرى منعها من قبل الروس.
جاء ذلك في حين لم تعمد روسيا لبدء عمليات الجنوب، إلا بعد توافق روسي - إقليمي، على عودة إيران وحزب الله اللبناني، لمسافة 40 كيلو مترًا عن الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل، وبعد انسحابها بشكل عسكري، بدأت عملية السيطرة على الجنوب السوري، في حين سبق أن اقترح الروس انسحاب حزب الله والإيرانيين وتوجههما نحو غرب الفرات لقتال تنظيم "الدولة"، بعد رفض توجُّه القوات الإيرانية وحزب الله إلى الجنوب السوري، وجرى ذلك خلال المفاوضات التي جرت حول جنوب دمشق وريف دمشق الجنوبي.
الجنوب السوري هو الآخر شهد عمليات تطويع واسعة من قبل القوات الإيرانية، التي عادت بعد انسحابها العسكري، على شكل حملات تطويع وتجنيد في صفوفها، للعناصر السورية، إضافة لمحاولة "تشيُّع" للسكان، من خلال دفع رواتب.
ووثّق المرصد السوري وصول عدد المتطوعين في الجنوب السوري إلى أكثر من 2350 متطوعًا، كما شوهدت عناصر من القوات الإيرانية مرارًا وهي تتجول في ريفي درعا والقنيطرة، في الوقت الذي تعمل فيه روسيا لتصعيد عملية إقصاء الإيرانيين عن مراكز القرار والتحكم بالتفاصيل السورية، من خلال محاولة كف يد الإيرانيين في الساحل السوري وريفي حمص وحماة، وتحجيم الدور الإيراني في إدلب ومحافظة حلب، إلا أنّ الانتشار الإيراني الواسع على الأصعدة العسكرية والفكرية والمذهبية، يحول دون تمكُّن الروس من لي ذراع الإيرانيين في الوقت الحالي، على الرغم من التوجُّه العالمي والعربي بخاصة لمحاربة الوجود الإيراني وبخاصة على الأرض السورية، في الوقت الذي تعمد فيه تركيا لموازنة علاقاتها مع الجانب الإيراني بشكل كبير.
ويوم الأربعاء الماضي، شوهدت شخصيات دينية من الطائفة الشيعية من الجنسية الإيرانية في زيارةٍ لمدينة الميادين الواقعة في غرب نهر الفرات بريف دير الزور الشرقي، وفي التفاصيل فإنّ الوفد زار المدينة ودخل إلى حي التمر المسيطر عليه من قبل القوات الإيرانية في مدينة الميادين، وأجروا اجتماعاً موسعاً بحضور وجهاء وأعيان من مدينة الميادين وريفها، وحضور مخاتير بقرص وسعلو ومحكان والزباري والقورية، والتي تتبع إداراياً لمدينة الميادين، وشخصيات من العوائل المعروفة بمدينة الميادين.
في هذا الإطار، تحدثت مصادر موثوقة للمرصد السوري عن أنّ الوفد حضّ الشبان في المدينة وريفها، على العودة إلى مناطقهم، والالتحاق بصفوف القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها، وأنّ انتساب الشبان المطلوبين أمنيًّا إلى القوات سالفة الذكر، سيزيل عنهم الملاحقة الأمنية، وأنّ على الشبان الانضمام لصفوفهم للدفاع عن المقدسات الدينية.
كما عمد الوفد إلى زيارة منطقة عين علي التي حولتها القوات الإيرانية إلى مزار للطائفة الشيعية، حيث أقام الإيرانيون حسينية ومزارًا في منطقة عين علي، ورصد المرصد مجيء حافلات تقل إيرانيين من "الزوار الشيعة" من إيرانيين وسوريين وعراقيين، وإقامتهم شعائر مذهبية شيعية في المنطقة التي تشهد تواجدًا عسكرياً كبيرًا للقوات الإيرانية.
عملية التمدُّد هذه من قبل القوات الإيرانية تأتي في الوقت الذي يتصاعد فيه العداء الإقليمي والدولي، لتواجد القوات الإيرانية في الداخل السوري، فيما تعمد القوات الإيرانية إلى محاولة التمدد فكريًّا عبر إنشاء أرضية عسكرية من العناصر السوريين الموالين لها، إذ أنّ هذه القوات وعلى الرغم من كم العداء المتصاعد، لا تزال تعمل على إيجاد مكان لها، وكعادتها تعمل إيران على التوغل فكريًّا مع تصاعد صعوبات التوغل عسكريًا.
كما واصلت القوات الإيرانية عمليات تجنيد المقاتلين والعناصر ضمن صفوفها، إضافة للتقرب من السكان، وتنفيذ عمليات "تشيُّع"، عبر ضم مزيد من السكان للمذهب الشيعي، من خلال دفع أموال أو تقديم معونات أو محاولة حل قضايا عالقة بالنسبة للسكان.
وارتفع عدد المتطوعين في صفوف القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها مؤخرًا إلى نحو 1270 شخصًا من الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة، وذلك ضمن منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور.
ورصد المرصد ضم عملية التطوع لكل من المنشقين السابقين عن قوات النظام والراغبين بـ"تسوية أوضاعهم"، بالإضافة لمقاتلين سابقين في صفوف خصوم النظام ومواطنين آخرين من محافظة دير الزور قالت مصادر إنّ القسم الأكبر منهم من منطقة القورية بريف مدينة الميادين.
وتأتي عملية إغراء المواطنين والمتطوعين عبر راتب شهري، وتخيير في عملية انتقاء مكان الخدمة بين الذهاب للجبهات أو البقاء في مركز التدريب بغرب نهر الفرات، بالإضافة للحصانة من قوات النظام ومن الاعتقال، فيما تجري عملية التطوع مقابل مبالغ مالية ترصد لهم كرواتب كشهرية، وتتفاوت الرواتب من غرب الفرات إلى الجنوب السوري، حيث تبدأ الرواتب من 150 دولارًا أمريكيًّا.
في حين أنّ محاولات الإيرانيين استمالة المدنيين في مناطق ريف دير الزور الشرقي، على طريق طهران – بيروت، جاءت كمحاولة لتأسيس حاضنة شعبية في المنطقة، تحول دون خسارتها للطريق الاستراتيجي بين العاصمة الإيرانية طهران والعاصمة اللبنانية بيروت، والذي تستخدمه القوات الإيرانية بشكل رئيسي.
وتأتي محاولات الاستمالة هذه من خلال محاولة رد حقوق السكان إليهم، ممن جرى الاستيلاء على ممتلكاتهم من قبل متطوعين ومجندين في الميليشيات الإيرانية، لكسب ود السكان وإرضائهم ودفعهم للانضمام إلى صفوفها، كما تجري عمليات توزيع مواد غذائية وألبسة وأغطية ومستلزمات للمعيشة ومسلتزمات للدراسة، تحمل كتابات باللغة الفارسية.
كما تعمد القوات الإيرانية في عملية تمددها إلى منع قوات النظام من التجاوز على السكان ورد مستحقات السكان إليهم، حيث بات الأهالي يلجأون للقوات الإيرانية لتحصيل ممتلكاتهم وحقوقهم المسلوبة من عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها.