"مونش" لوحة شهيرة للفنان النرويجي إدفارت مونش، استعار منها القاص العُماني محمود الرحبي عنوان مجموعته "صرخة مونش" الصادرة عن الآن ناشرون بعمّان.
تشتمل المجموعة على 18 قصة تختلف في حجومها بين القصيرة والمتوسطة، كما تختلف في موضوعاتها بين ما يراه في الشارع، وما يستعيده من ذاكرة الماضي، وما يعيشه.
ومن تلك القصص: "صرخة مونش"، "غناء النخيل"، "سدول الليل"، "وليمة في بيت حسن"، "غريب"، "حكاية النهاية"، "أبي المراوغ البخيل"، "هل لأني أشعر بالسأم".
وكانت لوحة "مونش" ضمن سلسلة رسمها الفنان التعبيري تناولت قضايا الحياة التي تتصل بالمشاعر الإنسانية، ومنها القلق و الخوف والحب والفرح والكآبة والموت والسأم.
وتتجلى استعارة "الصرخة" في غالبية قصص المجموعة بالصراخ أو العواء أو ما يشبه ذلك، ولكن في قصته الأولى التي حملت المجموعة عنوانها يعيد الكاتب صورة اللوحة التي رسمها الفنان نهاية القرن التاسع عشر من خلال حكاية تجمعه مع أخيه لالتقاط صورة تكون عبارة عن صرخة لا تنتهي.
ويلتقط القاص الرحبي؛ في مجموعته التي تقع في 84 صفحة من القطع المتوسط مواضيع قصصه من البيئة المحلية العُمانية التي تكثر فيها أسماء المناطق، وينوّع في أسلوبه بين الواقعي بما هو ممكن التحقق، وليس ما جرى.
كما يميل أحيانًا في كتاباته إلى المتخيل الرمزي، وهو ما يغلب على غالبية القصص في مراميها، ويذهب فيها إلى فضاءات السوريالية والفنتازيا.
يلتقط في قصصه متاعب الإنسان المعاصر الذي لا يجد متنفسا سوى الصراخ بأعلى صوت كاحتجاج على مشاعر القلق والخوف التي تحيط بحياته التي تعرضت للتغيير الفاجعي كما في قصة "فراغ بين أخوين".
ينسج القاص نصوصه باحتراف يقترب من العفوية التي تبسّط الأشياء حد الدهشة، ومن المؤكد أن تلك المهارة لا تتوفر إلا لكاتب فذّ أمسك بناصية الكلام الذي تشبّع به من الحكايات التي سمعها من خابية التراث، ويتمثلها في عدد من الأنماط الحكائية، ومنها "بطن الذهب" و"الحجل العرب"، و"هجير مات" التي يؤسس فيها لأسطرة المكان واجتراح محكيّة لأصل الأشياء في الثقافة الشعبية.
يحكي الرحبي؛ القصة كأنه يستعيد ذكريات من الماضي بروح الراوي الشفاهي، يسردها بلغة بسيطة، ليُشعر المتلقي وكأنه يسير مع المتكلم في تفاصيل الحكاية ويقابل شخوصها، أو كأنه يعرفهم، ويستفز المتلقي بفعل نمطي تراثي، مثل: "يحكى أنت" أو "أشيع" أو بكلمات صادمة "هجير مات"، وكأنه يبدأ من النهاية للعودة إلى متن الحكاية التي صارت إليها النهاية.
وكما ترمز اللوحة إلى ذروة القلق والذهول واليأس، وقصص "الرحبي" لا تخلو من حالة الانفعال التي يريدها الكاتب، وخفة ظلّ تصنعها المفارقة بين الأزمان أو الأماكن التي نقلتها الحياة المعاصرة من البساطة والهدوء والسكينة إلى السأم والملل والقلق. وعن المجموعة القصصية، كتب د. حسن مدن: "في قصص محمود الرحبي نشاط غريب مقلق، فهي تنطلق من الواقع المألوف، ومن خلاله تسير بك إلى لقاء الغرابة واللامعقول في ذواتنا ودواخلنا".
ويقول القاص الأردني محمود الريماوي، إن قصص الرحبي "تمثل ضربا من تجديد الواقعية وإغنائها، والوفاء لها، وشحذ أدواتها على صعيد المضمون والموضعات، وكذلك على صعيد الشكل من حيث استلهام أساليب القصّ القديم وروحيته التعبيرية".
أما الناقد العراقي د. ضياء خضير، علق قائلًا: "إن ما يرسمه القاص في لوحته وهي نصه السردي ، هو مشاهد طبيعية : مخلوقات ، طيور وحيوانات وقمر وبشر وأشياء يراها الجميع، يمرون بها ، ولكنهم لا يتأملونها كما يفعل محمود الرحبي".
يذكر أن، القاص العماني محمود الرحبي، صدر له عدد من المجموعات قصصية وروايتين. وفازت مجموعته القصصية "لماذا لا تمزح معي" بجائزة أفضل إصدار قصصي في معرض مسقط للكتاب للعام 2008، ونالت مجموعته "أرجوحة فوق زمنين" بالمركز الأول في جائزة دبي الثقافية عام 2009.