"أصبح المسلمون يقتلون في كل مكان، ساد الظلم في بلادنا، أصبحت حالة مجتمعاتنا يرثى لها، فكل واحدة منكن خسرت شيئًا كبيرًا في تلك البلد لكن دعوني أقول لكن أنّ هناك من فقدوا أكثر منكن، وواجبكن ناحيتهم أن تساعدوها في رفع الظلم عنهم والانتقال إلى الدولة التي سترعى الله فيهم بتحكيم شرعه".
هذه الكلمات التي تغازل عاطفة الدين وغريزة الرغبة في الاحتكام إلى شرعه استخدمتها "أم سلمان" عندما أرادت تجنيد فتيات مصريات للالتحاق بصفوف "داعش"، مدعيةً أنّ التنظيم يؤسس لما قالت إنّها دولة الحق والسعادة، دولة الطريق إلى الجنة، "دولة خلافة داعش".
هذا المشهد الذي ورد في إحدى روايات الكاتبة المصرية هاجر عبد الصمد لم يكن خياليًّا، فتنظيم "الدولة" استطاع خلال بضع سنوات أن يجنِّد آلاف المقاتلين مستخدمًا في ذلك شعارات دينية، خلصت تلك الرواية إلى أنّها ليست إلا أكاذيب يجني التنظيم من ورائها ملايين الدولارات دون أن يرسخ عدلًا أو يعيد خلافةً.
لكنّ الجانب الأهم أنّ التنظيم يلعب باستخدام ورقة "الدين" في استقطاب فكري للمقاتلين من أجل الانضمام إلى صفوفه من سائر دول العالم، وهو أمرٌ يشير إلى أنّه رغم حسم المعركة ضد التنظيم على الأرض لكنّ عودته بشكل ربما بشكل أكثر عنفًا وترويعًا ربما يكون محتمل وبقوة.
عسكريًّا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنّه سيصدر إعلانًا هامًا (اليوم) بشأن التنظيم، وذلك بعدما كان قد أعلن في وقتٍ سابق انتهاء التنظيم، وكان ذلك في ديسمبر الماضي حينما قرر سحب قواته من سوريا.
سبق تصريح الأمس، حديث آخر لترامب أيضًا الأسبوع الماضي، قال فيه إنّ سيعلن (هذا الأسبوع) استعادة جميع الأراضي التي كان تنظيم "الدولة" يسيطر عليها في سوريا والعراق.
ترامب أوضح أنّ قوات بلاده في سوريا، البالغ عددها 2000، بدأت بالانسحاب، لافتًا إلى أنهم سيذهبون إلى العراق بمجرد القضاء على آخر معقل لتنظيم "داعش"، وأنّ جزءًا منهم سيعود إلى دياره في نهاية المطاف.
أثار قرار ترامب سحب قواته من سوريا وإعلان هزيمة التنظيم، انتقادات كثيرة تحدثت عن أن هذه الخطوة الأمريكية ربما تمنح التنظيم فرصةً لإعادة ترتيب صفوفه من جديد، كما أعلن -إثر ذلك- وزير الدفاع جيمس ماتيس الاستقالة من منصبه، فضلًا عن انتقادات من دول حليفة لواشنطن رأت هذا الانسحاب متعجلًا ويهدّد بعودة خطر التنظيم أكثر من ذي قبل.
وتقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًّا مكونًا من نحو 60 دولة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي. وكان لهذا التحالف مساهمة فعالة في هزيمة التنظيم بالعراق؛ حيث قدم غطاء جويًّا ومعلومات استخبارية وأسلحة للقوات العراقية.
وانتشر نحو خمسة آلاف جندي أمريكي في العراق منذ تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014 لمحاربة التنظيم الإرهابي.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت أحدث منتقدي موقف ترامب، فقالت إنّ تنظيم داعش لم يُهزم إلى الآن، ورأت أنه تحول إلى قوة قتالية غير منظمة بعدما خسر أغلب المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته في سوريا.
وأضافت – بينما كانت تفتتح مقر المخابرات الألمانية "بي إن دي" في مدينة برلين، السبت الماضي - أنّ مراقبة الأوضاع في سوريا كانت من أولويات المخابرات الخارجية، معتبرةً أنّ الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق السلام في سوريا.
تعليقًا على ذلك، يتفق الخبير العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب بأنّ تنظيم "الدولة" لم ينتهِ بعد.
ويقول في تصريحات تلفزيونية: "هذا التنظيم لا يزال موجودًا، وفكريًّا ما زال ناشطًا، وبالتالي إذا ما أعلن القضاء عليه فلا تزال هناك القاعدة في بلاد الشام والقاعدة المتمثلة في جبهة النصرة وغيرها.. عمليًّا هذا التنظيم منتشر في الأماكن المضطربة التي تعاني من ضعف السلطة بها".
وأضاف: "التنظيم يلقى دعمًا فكريًّا قويًّا، وهذا ما استجلب مقاتلين له من دول عريقة مثل الولايات المتحدة وأوروبا، واستخدم حجة أنّه يقاتل في سبيل دولة خلافة".
وتحدّث عن دور تركي في هذا الإطار: "أنقرة سهّلت لهذا التنظيم دخول معظم المقاتلين الأجانب إليه وبالتالي ما لم تعاد سلطة الدولة وهي تكون مسؤولة عن أراضيها فقد ينتشر هذا التنظيم عسكريًّا وفكريًّا".
ويوضح المحلل العسكري: "التنظيم انبثق عن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وفي بلاد الشام.. كان هناك خلاف بين أبو محمد الجولاني وأبو بكر البغدادي على أنّه من الممكن أن تكون هناك حواضر وأراض تسمى دولة خلافة، وانفرد البغدادي بتأسيسها واعتبر أنّه آن أوانها، بينما الآخرون لم ينخرطوا في هذا الاتجاه وبقوا كجبهة متحركة".
عمليًّا – يرى "ملاعب" – أنّ "القاعدة" لا تزال تشكل خطرًا سواء في اليمن أو سوريا أو العراق، ولا يزال وجودها قويًّا وتمارس ابتزازات وتخطف أجانب ومحليين وتقايض وتقوم بعمليات خطيرة حتى في المناطق الصحراوية دون أن يكون لها مكان أو ملاذ آمن كمدينة أو حاضرة أو أراضٍ لهم.