في زخم الأحداث السياسية التي تشغل الرأي العام، خلال الأسبوعيين الماضيين، نفذت الحكومة أول الطروحات الحكومية في البورصة، الذي أعلنت عنه قبل عام، إذ طرحت 4.5% من أسهم الشركة الشرقية للدخان للبيع في البورصة، وهو أمر يهم قطاع كبير من المواطنين، ليس فقط لأنها الشركة صاحبة "مزاج المصريين" نظرا لاحتكارها صناعة "التبغ والسجائر" في مصر، ولكن أيضًا لأنها تتبع القطاع العام.
نستعرض في السطور التالية قصة "الشركة الشرقية للدخان" وكيف تم بيع نحو 4.257% من أسهم الشركة من خلال الطرح الخاص للمستثمرين، واستحواذ المستثمرون الأجانب على نحو 94% من الطرح الخاص ونحو 6% فقط للمصريين، ومن هم المستثمرون الذين استحوذا على أسهم الشركة، وهل هذا يعود بالنفع على الدولة كما تقول الحكومة أم سيلحق بها الخسائر كما يرى المعارضون لهذا الطرح؟.
"محتكرة مزاج المصريين"
بداية الشركة الشرقية للدخان أو "إيسترن كومباني"، تتبع وزارة قطاع الأعمال العام، ومؤخرا تم طرح الحصة الإضافية لها في البورصة بقيمة 1.7 مليار جنيه.
تأسست الشركة في عام 1920، وتمكنت خلال الأعوام الماضية من صناعة التبغ والسجائر في مصر، إذ تنتج 10 أصناف من السجائر هم :"كليوبارتا كينج سايز، كليوباترا كوين سوفت، كليوباترا بوكس 4 ألوان، مونديال أحمر وأزرق، وبوسطن، ولايت، وبلومنت، وكلويابترا بلاك ليبول، وكليوباترا سوبر، وجولدن ويست".
كما تنتج الشركة 3 أصناف من المعسل هم :"معسل الفارس نكهات، وسلوم وقص، ومعسل كريستال نكهات)، بالإضافة إلى 15 صنفًا من السيجار (ميني فيرونا، كورونا، طورنا دبلوكس، ميزي توسكاني، وميديانيتوس، روبستو، تشيرشل تيوب".
ولا يقتصر بيع منتجات الشركة على السوق المحلي فقط، بل أنها تمتد إلى الأسواق الخارجية، وتصنع أيضا للغير وليس فقط لنفسها، وتبلغ حصتها السوقية نحو 70%، مقابل 30% للشركات الأجنبية الأخرى.
أرباح لـ"الخزانة العامة"
تعد "الشرقية للدخان" أحد الشركات الناجحة في قطاع الأعمال العام، نظرا لما تحققه من أرباح سنوية تساهم في تمويل الخزانة العامة للدولة، حتى أن إجمالي المبلغ المورد للحكومة خلال العام المالي الماضي بلغ 56 مليار جنيه، في شكل حصة الدولة في الأرباح والضرائب والرسوم الجمركية، بما يمثل 187 مليون جنيه يوميًا خلال أيام العمل المتاحة (300 يوم عمل)" بحسب تقرير الشركة للبورصة.
سجلت الشركة خلال العام المالي الماضي 2017 – 2018 صافي ربح بقيمة 4.3 مليار جنيه، كما أنتجت 85 مليار سيجارة بزيادة 2 مليار سيجارة عن العام السابق.
وأنتجت في نفس العام 16 ألف طن معسل بانخفاض 5% عن العام السابق، وبلغت قيمة الصادرات 4.6 مليون دولار بانخفاض 39% عن العام السابق.
وبحسب المؤشرات المالية للشركة خلال العام المالي الماضي، فإن قيمة مبيعاتها المحلية ارتفعت بنحو مليار جنيه، لتسجل 46.9 مليار جنيه مقابل 36.7 مليار جنيه خلال العام المالي 2016-2017، بينما انخفضت قيمة صادراتها، بنسبة 27%، لتصل إلى 75 مليون جنيه، مقابل 103 ملايين جنيه العام المالي السابق له.
وتبلغ نسبة أسهم الشركة المتداولة في البورصة حاليًا 39.02%، فيما تملك الشركة القابضة للصناعات الكيماوية إحدى شركات قطاع الأعمال العام نسبة 55%، ويمتلك اتحاد العاملين المساهمين 5.98%، مما يعني أن نسبة 60.98% من أسهم الشركة خارج البورصة.
وخلال التسعة شهور الأولى من العام المالي 2017-2018، ارتفعت أرباح الشركة بنسبة 156.3% عن الفترة المقارنة من العام المالي السابق، لتبلغ 3.4 مليار جنيه، وفقًا لنتائج أعمال الشركة.
بيع الأسهم"..و"صندوق النقد"
في مايو الماضي 2018، قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة القابضة الكيماوية طرح 4% من أسهم الشركة الشرقية للدخان، ضمن برنامج الطروحات الحكومية، الذي كانت قد أعلنت عنه في مارس الماضي، ويتضمن طرح حصص من 23 شركة وبنكًا في البورصة.
وتضم الدفعة الأولى من برنامج الطروحات 5 شركات هي الإسكندرية لتداول الحاويات، والشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، وأبوقير للأسمدة، والإسكندرية للزيوت المعدنية "أموك"، ومصر الجديدة للإسكان والتعمير.
وتعهدت الحكومة لصندوق النقد الدولي، بطرح ما لا يقل عن 4 شركات تابعة للحكومة ضمن برنامج الطروحات في البورصة قبل 15 يونيو 2019، وذلك في إطار مطالبة الصندوق للحكومة بتقليل نسبتها الحاكمة في الشركات المملوكة للدولة.
وكان من المقرر أن يتم تنفيذ الطرح في الربع الأخير من العام الماضي، لكنها قررت تأجيل التنفيذ بسبب أزمة الأسواق الناشئة وتراجع أسعار الأسهم في البورصة.
17 جنيه سعر السهم الواحد
وفي أواخر فبراير المنصرم بدأت الحكومة تنفيذ برنامج الطروحات، وأول ما بدأت به هو "الشرقية للدخان".
وبدأت الطرح العام لأسهم الشركة يوم الأحد 3 مارس 2019، وتم غلق الباب يوم الثلاثاء الموافق 5 مارس 2019.
وبحسب هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، في بيان له يوم1 مارس، فإن الطرح الخاص لأسهم الشركة الشرقية للدخان، تمت تغطيته 1.8 مرة وبسعر 17 جنيهًا للسهم الواحد،
ويمثل الطرح الخاص نحو 95% من إجمالي الأسهم المطروحة.
وأعلنت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، في أول مارس الجاري، المضي قدما في الطرح العام والخاص في السوق الثانوي بالبورصة المصرية بحد أقصى عدد 101.250.000 (فقط مائة وواحد مليون ومائتى وخمسون ألف) سهم، بنسبة حتى 4.5% من أسهم رأس مال الشركة الشرقية المصدر من الأسهم المملوكة لشركة الصناعات الكيماوية، وذلك من خلال طرح هذه الأسهم للطرح الثانوى العام والخاص.
ووفقا للبيان، سيتم تنفيذ طرح عام للجمهور لبيع حد أقصى من الأسهم بعدد 5,062,500 سهم تمثل نسبة 5% من إجمالي الأسهم المطروحة للبيع والتي تمثل نسبة 0.225 % من أسهم رأس مال الشركة.
ونفذت الحكومة عملية الطرح (خاصًا وعامًا)، إذ تم بيع نحو 4.257% من أسهم الشركة من خلال الطرح الخاص للمستثمرين وتمت تغطيته 1.8 مرة.
%94 للأجانب
واستحوذ المستثمرون الأجانب على نحو 94% من الطرح الخاص والمصريون نحو 6% فقط، حسب تصريح صحفي لهشام توفيق وزير قطاع الأعمال.
وبحسب ما أعلنه مكتب سري الدين للاستشارات القانونية، استحوذ الملياردير الإماراتي محمد العبار ومستثمرون سعوديون على نحو 25% من الحصة المطروحة للبيع من الشركة.
وقال مكتب سري الدين، الذي يقدم المشورة القانونية للعبار والمستثمرين السعوديين في الصفقة، في بيان صحفي، إن "رجل الأعمال محمد العبار ومستثمرون سعوديون استثمروا أكثر من 400 مليون جنيه في شراء أكثر من 25% من الطرح الخاص والذي بلغ 4.275% من إجمالي أسهم الشرقية للدخان".
1.8مليار حصيلة متوقعة من "البيع"
وتتوقع الحكومة، تحقيق حصيلة مالية بقيمة 1.8 مليار جنيه من بيع 4.5% من أسهم الشركة الشرقية للدخان، بحسب تصريح صحفي لوزير قطاع الأعمال.
وبحسب مذكرة بحثية أصدرها بنك فاروس للاستثمار في فبراير الماضي، كانت القيمة العادلة للسهم في الشرقية للدخان هي 19.8 جنيه، أي أن الفارق بين السعر العادل والسعر الذي تم عرضه للبيع هو 2 جنيه في السهم الواحد من إجمالي 4.5 % من الأسهم المطروحة للبيع، وهي نحو 101 مليون سهم.
خسارة 500 مليون
وبحسب خبراء فإنه إذا تم البيع بالسعر العادل لكانت ستزيد الأرباح المتوقعة من الطروحات، فوفقا لما صرح به رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، في يوليو العام الماضي، فإن الحصيلة المتوقعة 2.5 مليار، وذلك قبل الطرح الحقيقي في البورصة.
ويقدر خبراء أن نتيجة بيع الأسهم بسعر منخفض عن السعر العادل المقدر لأسهم الشركة، فإن هناك خسارة للمال العام للدولة بنحو 500 مليون جنيه في بيع أسهم "الشركة الشرقية للدخان" في البورصة.
تشجيع وليست خصخصة
وبينما تدور حالة من الجدل حول برنامج الطروحات وبيع شركات القطاع العام في البورصة، واعتبار البعض أن ذلك نوع من الخصخصة، نفى الدكتور محمد معيط، وزير المالية، خصخصة الشرقية للدخان. وجاء ذلك خلال اجتماع لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أمس الأحد، لمناقشة طلبات الإحاطة الموجهة لكل من الدكتور وزير المالية، والدكتورة وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، بشأن برنامج الطروحات ووقت طرح الأسهم وسياسة تسعير الأسهم ومدى الانخفاض الذى صاحب الأسعار، وبشأن ما تم عرضه من برامج الطروحات ومدى جدوى تلك البرامج.
وأكد الوزير أن برنامج الطروحات لا يعنى على الإطلاق خصخصة الشرقية للدخان أو أي شركة من شركات قطاع الأعمال العام، لافتا إلى أن ما تم بالشركة الشرقية للدخان هو طرح 4.5% من أسهم الشركة فقط، وأن الدولة محتفظة بأغلبية الأسهم. وأشار وزير المالية إلى أن برنامج الطروحات يهدف إلى تشجيع المستثمرين على المشاركة في سوق الأوراق المالية المصري، لافتا إلى أن الموازنة الحالية تتضمن 10 مليارات جنيه إيرادات من حصيلة الطروحات ولم يُحصل منها جنيه واحد حتى الآن.
انتقادات
وفي المقابل واجهت عملية طرح أسهم "الشرقية للدخان" انتقاد عدد من المتخصصين، لاسيما ما وصفوه بـ"سرية الطرح" إذ تم الإعلان عن البيع بعد تنفيذ عملية الطرح الخاص.
بحسب متخصصون فإن %95 من الأهم المقررة للطرح تم بيها في طرح خاص، و5% تم طرحها بعد أيام في الطرح العام، وهو ما يعني أن الطرح الذي يعرض لفئات محددة دون الجمهور، أي كبار المستثمرين من الأفراد والشركات، تم في سرية.
ونتيجة طرح الـ 95 % من الأسهم أي نحو 95 مليون سهم، بسعر سهم 17 جنيه كانت إن 94 % من الأسهم ذهبت لصالح الأجانب "70 % مستثمرين أجانب - 30 % عرب".
ووصف أحمد زكريا، مدير حسابات العملاء بشركة عكاظ للسمسرة، خلال تصريحات صحفية، تنفيذ عملية الطرح من خلال الطرح الخاص بـ"الصفقة" وليس الاكتتاب، معتبرا أن ذلك يعكس صورة سلبية عن البورصة، ويقلل من ثقة المستثمرين الأفراد في سوق المال وذلك عكس أهداف برنامج الطروحات.
.