«طريق الحرير» يشعل  معركة أممية بين واشنطن وبكين

الحرب التجارية بين أمريكا والصين

نشب صدام بين مندوبي الولايات المتحدة والصين في الأمم المتحدة خلال اجتماع لمجلس الأمن مخصص لتمديد عمل البعثة الدولية في أفغانستان ، وتبادل الجانبان الانتقادات الحادة بشأن "طرق الحرير الجديدة"، المشروع الصيني الضخم لإقامة مشاريع بنى تحتية ضخمة عبر العالم.

 

وانتقد السفير الأمريكي بالوكالة جوناثان كوهن مطالبة الصين بذكر مبادرة "طرق الحرير الجديدة" في نص القرار، ورد مساعد السفير الصيني لدى الأمم المتحدة وو هايتاو باعتبار الموقف الأمريكي "متعارضا مع الوقائع ومليئا بالأفكار المسبقة".

 

 وكان الاجتماع مخصصا بالأساس لبحث قرار حول أفغانستان، غير أن التوتر بين بكين وواشنطن أرغم مجلس الأمن على التصويت من أجل تمديد مؤقت لمهمة الأمم المتحدة في هذا البلد لستة أشهر عوضا عن سنة كاملة.

 

و"طرق الحرير الجديدة" المعروف رسميا بمبادرة "الحزام والطريق" مشروع صيني عملاق يشارك فيه 123 بلدا، يهدف إلى إقامة طرقات وسكك حديد وموانئ في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى باستخدام قروض صينية بمليارات الدولارات.

 

تمديد البعثة بأفغاستان

وأقر المجلس القرار 2460 المعني بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان "يوناما" لمدة 6 أشهر تنتهي في 17 سبتمبر المقبل.

 

وأكد المجلس أن "الولاية المجددة للبعثة تدعم اضطلاع أفغانستان بصورة تامة بدور القيادة والسيطرة على زمام الأمور في مجالات الأمن والحوكمة والتنمية".

 

ويمثل القرار "التزام مجلس الأمن بسيادة أفغانستان واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية وتقديم الدعم المتواصل لحكومة أفغانستان وشعبها في سعيهما إلى إعادة إعمار بلدهما وتعزيز المؤسسات الديمقراطية".

وكان قرار العام الماضي بتمديد ولاية البعثة لمدة عام في أفغانستان قد قوبل بترحيب وحث على بذل مزيد من الجهود لتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي الذي يشمل أفغانستان، لاسيما من خلال مبادرة "الحزام والطريق" الضخم الذي يهدف إلى ربط الصين بأوروبا وإفريقيا وأجزاء أخرى من آسيا. وكان قرارا المجلس في عامي 2016 و 2017 قد استخدما لغة مماثلة.

 

وانتقد السفير الأمريكي بالوكالة لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهن ،الجمعة مطالبة الصين بذكر هذه المبادرة في نص القرار "على الرغم من علاقاتها المحدودة جدا مع أفغانستان، ومشكلاتها المعروفة المتعلقة بالفساد والمديونية والإضرار بالبيئة وقلة الشفافية".

 

كما اتهم الصين بارتهان المفاوضات حول أفغانستان في الأمم المتحدة "بتركيزها على الأولويات السياسية الوطنية الصينية بدلا من الشعب الأفغاني".

 

الصين: لا أبعاد جيوسياسية

 

ورد مساعد السفير الصيني لدى الأمم المتحدة وو هايتاو أمام مجلس الأمن معتبرا أن الاتهامات الأمريكية "تتعارض مع الوقائع ومليئة بالأفكار المسبقة" ، بحسب " أ ف ب".

 

وأكد "أنها مبادرة تعاون اقتصادي تهدف إلى تحقيق النمو والازدهار المشتركين، ولا علاقة لها إطلاقا بالاعتبارات الجيوسياسية".

 

وقال أيضا إن أحد أعضاء المجلس - من المؤكد أنه يشير إلى الولايات المتحدة - "سمم الأجواء" ما أدى إلى فشل المجلس في اتخاذ قرار موضوعي.

 

وأشار وو إلى أنه منذ إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" قبل ست سنوات، وقعت 123 دولة و 29 منظمة دولية اتفاقيات تعاون مع الصين في برامج التنمية المشتركة.

وأكد "إن مبادرة الحزام والطريق تساعد في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية في أفغانستان".

 

وأردف قائلا "في هذا الإطار، ستواصل الصين وأفغانستان تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وإدماج أفغانستان في التنمية الإقليمية".

 

وأكد أن البرنامج "لا علاقة له بالجغرافيا السياسية".

 

ويتضمن القرار الأمريكي حول البعثة في أفغانستان منذ العام 2016 إشارة إلى تعاون مع مشروع البنى التحتية الصيني.

 

ويندرج الإصرار الأمريكي على سحب هذه الإشارة من النص في سياق انتقادات وجهها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس عام 2018 لهذه المبادرة الصينية باعتبارها تسببت بمديونية كبيرة لعدد من البلدان.

 

وتجري مفاوضات تجارية شاقة بين الولايات المتحدة والصين في ظل الحرب التجارية التي باشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرضه رسوما جمركية مشددة على واردات من الصين، ردت عليها بكين بتدابير مماثلة.

 

 

إيطاليا تنضم  للـ"حزام"

 

وحذرت واشنطن ، إيطاليا من المشاركة في مشروع "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، مشيرة إلى أن روما بذلك يمكن أن تضر "العمل المشترك" لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بينما تضع نفسها تحت رحمة سياسة بكين الاقتصادية.  

وقال جاريت ماركيز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إنه من خلال الضغط على إيطاليا لكي تشارك في مبادرة الصين الجديدة، "يبدو أن بكين تعتقد أن إيطاليا ضعيفة اقتصاديا أو قابلة للتلاعب بها سياسيا".

ويتوجه الرئيس الصيني شي جين بينج إلى روما الأسبوع الحالي لتوقيع اتفاقية إطارية لمستقبل الصفقات الاقتصادية الصينية.  

وستكون إيطاليا أول عضو في نادي مجموعة السبع (تجمع أغنى الديمقراطيات في العالم) ينضم إلى المبادرة الصينية.

 

وأضاف ماركيز أن إيطاليا ستظل "حجر زاوية لحلف الناتو" حتى إن انضمت إلى المبادرة الصينية، مضيفا: "ومع ذلك، يساورنا القلق جديا من إمكانية أن تكون هناك عواقب على العمل المشترك للحلف خاصة فيما يتعلق بالاتصالات والبنية التحتية الحيوية المستخدمة في دعم مبادراتنا العسكرية المشتركة".

 

وتابع ماركيز: "ننصح عديدا من الدول بأن تكون واعية بمخاطر اعتماد مبادرة الحزام والطريق، ولاسيما تلك الدول التي تسعى بشكل نشط نحو الاستثمار الأجنبي المباشر".  

وسبق أن وصفت الولايات المتحدة نهج الصين تجاه استثماراتها الاقتصادية في الدول الأخرى بأنه "قائم على الجشع".

وحذر مسئول أمريكي من أن "النهج الذي تتبعه الدولة" في الصين لتطوير البنية التحتية سهل الفساد وألحق الضرر بالحوكمة الاقتصادية وأضر بفرص القطاع الخاص لدى الدول المتلقية لتلك المشاريع.

 

حرب اقتصادية عبر الدول

 

وفي ظل الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين، ، عبرت واشنطن الجمعة ، عن معارضتها لهيمنة صينية على أكبر شركة كهرباء في البرتغال .

 

وقال جورج جلاس السفير الأمريكي في لشبونة إن بلاده تعارض عرض الشراء الذي قدمته مجموعة "ثري غورجز" الصينية العامة لشركة الطاقة الكهربائية للبرتغال (آي دي بي) أكبر شركات البلاد، التي تملك الشركة الصينية أصلا 23 في المائة من رأسمالها، وأيدت الحكومة البرتغالية الصفقة.

 

وأوضح السفير الأمريكي لأسبوعية "جورنال إيكونوميكو" الصادرة الجمعة: "نحن نعارض تماما هذه العملية.. إن (آي دي بي) تسيطر على 80 في المائة من الطاقة الكهربائية في البرتغال.

ومن وجهة نظر الولايات المتحدة.. يجب ألا يملك كيان أجنبي طاقتكم الكهربائية.. يجب أن تكون تحت سيطرة الأمة أو مستثمرين خاصين يخضغون للقانون الوطني".

 

واضطرت البرتغال في أوج أزمتها الاقتصادية في 2011 بدفع من الاتحاد الاوروبي إلى خصخصة شركاتها العامة في مقابل قرض بقيمة 78 مليار يورو ، وفق " أ ف ب" .

 

ومنذ ذلك التاريخ لم تستثمر الصين في شركة الكهرباء فحسب بل أيضا في أكبر بنك خاص برتغالي "بي سي بي"، وأهم شركة تأمين برتغالية "فيداليديد" وشركة إدارة الشبكة الكهربائية "آر اي إن" وشركة الطيران البرتغالية "تي إيه بي".  

وقررت البرتغال فتح أكبر موانئها "سينس" الواقع على بعد 100 كلم جنوب لشبونة، للمشروع الصيني العملاق "طرق الحرير الجديدة" الهادف إلى تطوير المبادلات التجارية للصين بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وفي ديسمبر 2018 وقعت شركة الاتصالات البرتغالية "إم اي أو" اتفاق تعاون مع عملاق الاتصالات الصيني "هواوي" لتطوير شبكة الجيل الخامس (جي5).

 

وتقوم واشنطن بحملة لاقناع حلفائها بمخاطر التجسس الصيني في حال استخدمت في شبكاتها للاتصالات من الجيل الخامس، تجهيزات "هواوي" وهي الأكثر تطورا في السوق.

 

وكررت سلطات لشبونة مرارا أنها "ليست قلقة من الاستثمار الأجنبي"، وذكر رئيس وزرائها أنطونيو كوستا في بداية مارس لصحيفة فاينانشيال تايمز، أن "الصينيين يحترمون تماما إطارنا القانوني وقواعد السوق".

 

وعزز الاتحاد الأوروبي إمكانات مراقبته للاستثمارات الصينية، لكن لشبونة حذرت شركاءها من النزعة الحمائية التي تغلق السوق أمام الابتكارات الجديدة.

 

مقالات متعلقة