بنايةٌ سكنية في قويسنا بالمنوفية، يحوى الطابق الواحد منها على 6 شقق، يقطن في حجرة صغيرة بها عند السلم "عم رمضان" حارس العقار، ذاك الرجل الذي تخطى من العمر الـ 50 ربيعًا، عُرف على مدار الأعوام الـأربعة التي قضاها هنا بعزة نفسه، ورغم أنه لم يطلب يومًا من أحد شيئًا، إلا أن بابه تقصده صواني تحوي كل ما لذ وطاب من طعام مع أذان المغرب وعند السحور، من جانب السكان كلٌ حسب دوره ووفقًا للجدول الموضوع مسبقًا قبل رمضان.
ملحمة حب وإحسان يشهدها ذاك العقار الذي يحوي نحو 30 شقة كونه مكونًا من 5 طوابق، بعدما عكفت تلك الوحدة السكنية التي جاء دورها أن ترسل إفطارً وسحورًا لـ "حارس العقار"، فكل واحد منهم يتفنن في تقديم له أفضل ما لديه، وكانت بطلة هذا المشهد قاطنة الشقة رقم 3، وتدعى مي صبري، صاحبة الـ 35 ربيعًا.
تواصلت (مصر العربية) مع "مي" وروت لنا تفاصيل القصة منذ البداية.
تقول "مي": الفكرة راودتني منذ 4 سنوات، حينما حل "عم رمضان" حارسًا جديدًا بالعقارالسكني الذي أقطن به، رآيت فيه تفانيه لعمله على عكس من سبقوه، فضلًا عن كونه شخص متعفف، علمت أنه يقطن بمفرده هنا، بينما يزور أولاده وأسرته كل جمعة، فهو فضل أن يبق وحيدًا على أن يجعلهم في مرمي طلبات هذا أو ذاك، وبينما كنت اجلس ذات يوم مع مالكة البيت اقترحت فكرة أن نتفق مع الشقق على أن يرسل كل واحد منا الإفطار يوم لـ "عم رمضان"، فكان رد فعل من حضر جلسة الإقتراح و"سحور كمان".
"أنا مي جارتكم في شقة 3 كنا بنفكر نعمل جدول بحيث كل شقة تنزل يوم فطار وسحور لعم رمضان البواب بتاعنا، ولك حرية الاختيار"؛ بتلك العبارات أخبرت "مي" السكان جميعًا فكرتها بعدما طرقت أبوابهم شقة شقة، تقول: الجميع ابدى ترحيبه واستعداده الكامل.
هنا أخذت "مي" على عاتقها مهمة تحضر الجدول وتقسيمه لعدة خانات تشمل رقم الشقة واسم من يقطن به ورقم هاتفه واليوم الذي من المفترض أن ينزل الإفطار والسحور لـ "عم رمضان".
لم تنته مهمتها عند هذا الحد، فهي تقوم يوميًا بالرجوع للجدول لمعرفة من منهن عليه الدور، وتجري اتصالًا هاتفيًا قبلها بيوم لمن يجب عليه إعداد الإفطار والسحور، قائلة: "أكيد الناس مش هتفتكر بالظبط دورها امتي".
حرصت "مي" بالتأكيد على جارتها أن يلتزمن بالجدول حتى لا ينزل لعم رمضان كمية كبيرة من الطعام، في آن واحد، أو العكس.
فبالورقة والقلم باتت "مي" تنظم تلك المهمة على مدار السنوات الأربعة، وأصبح السكان هم من يسألونها قبل رمضان "خلصت الجدول ولا لسه"، تقول مي: تنتظر كل شقة منا دورها لتعد ما لذ وطاب من طعام لـ "عم رمضان" لافتة أنها لمست من جارتها حرصهن على تقديم أفضل ما لديهن له.
وتابعت: قبل رمضان طلب مني حارس العقار أن أعفيه من هذا الحرج، ولكني حاولت أن أوضح له أننا لا نفعل شيئًا.
واستكملت: حينما طلبت منه أن يحضر زوجته وأولاده بدلًا من قضاء رمضان بمفروده رد علي قائلًا "أنا مش هستحمل أجيبهم وممكن حد يقولهم أو يطلب منهم حاجة بطريقة تجرحهم".
لم تنس "مي" أن يكون معها نسخة الكترونية من الجدول على هاتفها قائلة:"مصورة منه كذا صورة على موبايلي عشان لو كنت بره البيت معزومة أفتكر أكلم الشقة اللي عليها الدور".
لم تكن تلك المبادرة الأولي من صاحبة الشقة رقم 3، فهي معروفة بين سكان العقار حسبما أخبرتنا أن تود جارتها بأي شئ تحب هي أن تأكل منه: قائلة: أنا مشغلة ابني دليفيري لم اعمل اكله بحبها مقدرش اكل منها لوحدي، لازم جاراتي أصحابي يدقوا منها هم كمان.