طوال أيام شهر رمضان الكريم تتحمل المرأة جهدا كبيرا في الأعمال المنزلية من أجل أسرتها، ولهذا حرص التونسيون منذ قديم الزمن على مكافأة خاصة للمرأة اعترافا وتقديرا لما بذلته من جهد وعناء طيلة الشهر الكريم في إعداد ما لذّ وطاب من أشهى الأطباق لأفراد الأسرة.
فمن العادات المرتبطة بانتهاء شهر رمضان الكريم وحلول عيد الفطر المبارك في تونس، ما يُعرف بـ"حق الملح"، وهي عادة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة، يقدم فيها الزوج لزوجته هدية تكون في الغالب عبارة عن قطعة ذهبية أو فضية، حسب قدرته المادية.
وهدية "حق الملح" لها طقوسها الخاصّة بها، فبعد صلاة العيد تستقبل المرأة زوجها وقد انتهت من ترتيب المنزل وتبخيره، وترتدي أفضل ما لديها من ثياب، وتقدم له على يديها طبق الحلويات وفنجان القهوة، فيرتشف الزوج القهوة ولكنه لا يعيد الفنجان فارغا، ولكنه يضع فيه قطعة حلي أو خاتم من الذهب أو الفضة على حسب قدرته.
وتعود تسمية هدية "حق الملح" بهذه الأسم، إلى أن النساء في تونس ورغم صيامهن يقمن بتذوق درجة ملوحة الطعام دون ابتلاعه، حرصاً على أن يكون مذاق الطعام معتدلًا في درجة ملوحته.
وتقول الشاعرة التونسية سوسن الطيب، إن "حق الملح" عادة من العادات التونسية الطريفة بعد تعب شهر رمضان، واهتمام الزوجة بالمطبخ وشؤون الطعام، حيث يهديها زوجها قطعة "مصوغ" من الذهب أو الفضة تسمى بحق الملح، وأنه رغم تراجعها، إلا أنها تتواصل في العديد من العائلات والمناطق التونسية.
وبحسب ما نقلت "سبوتينك" عن الشاعرة التونسية فإن سبب التسمية يعود إلى أن الزوجة التونسية تتذوق بطرف لسانها نسبة اعتدال الملح في الطعام، دون أن تبلعه، وهو ما ينتج عنه أحيانا ضحكات ولحظات مرحة.
وتضيف:"وفي صباح العيد يأتي الزوج التونسي من صلاة العيد وتستقبله زوجته بطبق الحلويات والقهوة، وبعد ترشفه القهوة يضع في الفنجان قطعة مصوغ ذهبية أو فضة، تسمى حق الملح".
وسار على درب الأباء والأجداد في اتباع العادات والتقاليد التونسية الدكتور بلال ملهم، الذي قرر أن يكرم زوجته عملا بالتقاليد التونسية والتركية، في أول أيام عيد الفطر بمكافأتها بهدية من الذهب.
ويقول الدكتور بلال، عبر صفحته على فيس بوك :"بعد شهر صيام الحمد لله الفرحة التي عاشها الاولاد في هذا اليوم لا توصف،وتكريما لزوجتي وعملا بالتقاليد التونسية والتركية هكذا فعلت...لزوجتي الحبيبة اليوم في أول أيام عيد الفطر. كل عام وجميع الزوجات بألف خير"، مرفقا صورة فيها ليرة ذهب داخل فنجان القهوة.
وتابع :"متى يعيد زوجك فنجان القهوة وبه ليرة ذهب؟، من الجميل تقدير مجهود ربات البيوت، خاصةً في رمضان، حيث تزيد أعباء المطبخ والمنزل عموماً في هذا الشهر الكريم، وهو ما كان السبب في ظهور ما يسمى "حق الملح".
وأوضح أن "حق الملح" عادة تونسية لازالت موجودة في بعض المناطق، وعبارة تداولتها العديد من السيدات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في هذه الأيام.
واستطرد أن "حق الملح" هو تكريم صاحبة البيت صباح يوم عيد الفطر، اعترافاً بمجهودها وتكريماً لتعبها خلال شهر رمضان المبارك. ويتمثل "حق الملح" في استقبال المرأة لزوجها بعد عودته من صلاة العيد وهي في أبهى زينتها، وبعد تنظيف البيت، وفي يدها طبق الحلويات وفنجان القهوة. وبعد تناول الزوج لقهوته، يعيد إليها الفنجان وبه قطعة من الذهب أو الفضة، بحسب إمكاناته المادية.
وتعود هذه العادة التونسية إلى زمن بعيد، ولكن بسبب الظروف الاقتصادية التي تعانيها تونس ولاسيما في ظل غلاء أسعار المصوغات، فلم يعد الكثير من التونسيين قادرين على تقديم هدية "حق الملح"، حتى أوشكت هذه العادة قادرة على الاندثار.
ولكن بعض التونسيين يحاولون تعويض "حق الملح" بهدايا أخرى بسيطة، منها بعض الأكلات الجاهزة على سبيل المثال الشرمولة.
و"الشرمولة" هي أكلة شعبية، اشتهرت بها مدينة صفاقس، ولها أسطورة تقول أن أصل هذه الأكلة يوناني، وقد تحولت إلى تركيا و من هناك وصلت إلى شمال إفريقيا و تحديدا إلى "صفاقس".
ومكتشف هذه الأكلة هو بحار يوناني تحطمت مركبته إثر عاصفة بحرية وغرق من معه من رجاله ونجا بنفسه وبقي تائها تقذفه الأمواج هنا وهناك لمدة شهرين، وكان سيموت من شدة العطش والجوع، فأخذ يبحث في مركبه عله يجد شيئا يسد رمقه .
عثر البحار على كيس به عنب و بصل فوضعه تحت أشعة الشمس ليجف ذلك العنب و يصبح زبيبا ثم قام بطبخه في قدر به ماء و أكله، وكان هذا البحار اليوناني يدعى "شارل مولا" ولذلك سميت الأكلة بهذا الاسم.