يد المغرب ممدودة للجزائر.. هل تدفن الدعوة الـ«ملكية» خلافات الماضي؟

عاهل المغرب محمد السادس

بعد أن فتح تتويج الفريق الجزائري لكرة القدم بطلا للقارة الافريقية،  ملف العلاقات المغربية الجزائرية الفاترة، وارتفاع الأصوات المطالبة بفتح الحدود المغلقة منذ ربع قرن بين البلدين، عاد ملف  العلاقات إلى الواجهة، من جديد بعدما جدد عاهل المغرب الملك محمد السادس، تمسك بلاده بسياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر، مؤكدا قوة الروابط التي تجمع بين الشعبين الجارين.

 

وقال الملك المغربي، في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه العرش، إن أخوة الشعبين تجسدت مؤخرا، بصدق وتلقائية، من خلال تشجيع المغاربة لمنتخب الجزائر في كأس أمم إفريقيا التي أقيمت في مصر وتوج بها محاربو الصحراء.

 

وأضاف العاهل المغربي أن ذلك "تجسد مؤخرا، في مظاهر الحماس والتعاطف، التي عبر عنها المغاربة، ملكا وشعبا، بصدق وتلقائية، دعما للمنتخب الجزائري، خلال كأس إفريقيا للأمم بمصر الشقيقة؛ ومشاطرتهم للشعب الجزائري، مشاعر الفخر والاعتزاز، بالتتويج المستحق بها؛ وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا."

 

وعقب فوز الجزائر بالبطولة، بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح، قال فيها «يطيب لي، بمناسبة فوز المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم، عن جدارة واستحقاق، بكأس الأمم الافريقية 2019، التي احتضنت مصر الشقيقة أطوارها النهائية، أن أعرب للشعب الجزائري الشقيق، عن أحر التهاني بهذا الإنجاز الكروي القاري لكرة القدم الجزائرية».

 

وعبر ملك المغرب باسمه وباسم الشعب المغربي قاطبة، عن «مشاطرته الشعب الجزائري الشقيق، مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا التتويج المستحق، خاصة وأن الأمر يتعلق بفوز بلد مغاربي جار وشقيق، وكأن هذا التتويج هو بمثابة فوز للمغرب أيضا».

 

 

وأكد الملك محمد السادس في خطابه أن "الوعي والإيمان بوحدة المصير، وبالرصيد التاريخي والحضاري المشترك، هو الذي يجعلنا نتطلع، بأمل وتفاؤل، للعمل على تحقيق طموحات شعوبنا المغاربية الشقيقة، إلى الوحدة والتكامل والاندماج ."

 

وتقيم الرباط علاقات دبلوماسية مع الجزائر، لكن الحدود البرية مغلقة بين البلدين منذ 1994، وما تزال عدة قضايا شائكة تعرقل "التطبيع الكامل" بين البلدين.

 

وتعد قضية الصحراء أبرز الملفات الشائكة أمام تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر، ففي الوقت الذي تؤكد المملكة أنها لن تفرط في وحدتها الترابية، تعترف الجزائر رسميا بجبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال جنوب المغرب.

 

وفي خطاب العرش، قال الملك محمد السادس إن "الاحتفال بعيد العرش المجيد، أبلغ لحظة لتأكيد تعلقنا الراسخ بمغربية صحرائنا، ووحدتنا الوطنية والترابية، وسيادتنا الكاملة على كل شبر من أرض مملكتنا."

 

وأضاف خلال خطابه: "وإذ نعرب عن اعتزازنا بما حققته بلادنا من مكاسب، على الصعيد الأممي والإفريقي والأوروبي، فإننا ندعو إلى مواصلة التعبئة، على كل المستويات، لتعزيز هذه المكاسب، والتصدي لمناورات الخصوم."

 

وأكد الملك محمد السادس أن المغرب يبقى "ثابتا في انخراطه الصادق، في المسار السياسي، تحت المظلة الحصرية للأمم المتحدة . كما أنه واضح في قناعته المبدئية، بأن المسلك الوحيد للتسوية المنشودة، لن يكون إلا ضمن السيادة المغربية الشاملة، في إطار مبادرة الحكم الذاتي . ذلك أن التحديات الأمنية والتنموية، التي تواجهنا، لا يمكن لأي بلد أن يرفعها بمفرده."

في المقابل، تدافع الجزائر عما تقول إنه حق سكان الصحراء في "تقرير المصير" من خلال استفتاء؛ وهو ما يرفضه المغرب الذي حدد أقصى تنازل ممكن في منح حكم ذاتي لأقاليم الجنوب، لكن تحت السيادة المغربية.

 

وبدأ التوتر الطويل، بين المغرب والجزائر، منذ مدة تزيد عن نصف القرن، ففي السنوات الأولى من استقلال البلدين عن فرنسا، وفي سنة 1963، خاضا أول مواجهة عسكرية بينهما في إطار ما يعرف بـ"حرب الرمال"، بسبب خلافات حدودية.

 

واندلعت الحرب في أكتوبر 1963 على حدود البلدين، وفي فبراير 1964، أي بعد أشهر قليلة، جرى التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، بعد وساطة من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية.

 

ويقول المحلل السياسي المغربي، مهدي الإدريسي، إن سياسة المغرب الخارجية دأبت على دعوة الجزائر إلى التقارب وفتح الحدود، فأكدت الرباط في أكثر من مناسبة ضرورة إعادة المياه إلى مجاريها.

 

وأوضح مهدي في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذه الدعوات كانت تصدر من المغرب، حين كان الوضع السياسي في الجزائر مستقرا، "أما اليوم، وقد بات الوضع في حراك، أمام مستقبل سياسي غير واضح المعالم، فمن من المستبعد أن يكون ثمة تفاعل من الجزائر".

وأكد الباحث أن تشجيع المغاربة للمنتخب الجزائري، مؤخرا، هيأ أرضية أمام تطبيع العلاقات، حتى وإن كانت المسألة معقدة من الناحية السياسية، بالنظر إلى حجم الخلافات القائمة "ما حصل كان مظهرا من مظاهر الأخوة الناصعة بين البلدين".

 

وحين سئل مهدي حول احتمال حصول انفراج في العلاقات بين البلدين على الرغم من عدم إيجاد تسوية لملف الصحراء، أجاب الباحث بأن هذا الأمر ممكن من حيث المبدأ، لأن الرباط صارت تتبع خطا جديدا في الدبلوماسية.

 

وأوضح أن هذا النهج الدبلوماسي الجديد للمملكة يقوم على عدم ترك الفراغ وتقوية العلاقات مع بعض الدول التي تختلف معها حول كثير من القضايا مثل نيجيريا، كما أن المغرب عاد إلى الاتحاد الإفريقي على الرغم من عدم سحب الاعتراف بجبهة البوليساريو كدولة عضو.

 

وانسحب المغرب من الاتحاد الأفريقي سنة 1984 عقب الاعتراف بعضوية البوليساريو، وفي 2017 عادت المملكة إلى شغل العضوية، في إطار التراجع عن سياسة المقعد الفارغ.

 

ويضيف إدريسي أن البلدين يحرصان على إبقاء القنوات الدبلوماسية قائمة بينهما حتى في لحظات التوتر، وهذا أمر إيجابي بحسب قوله، وأوضح أنه ليس من الضروري أن يحل البلدان كافة النقاط العالقة قبل أن يحسنا العلاقة بينهما.

 

ويؤكد الباحث أن المغرب والجزائر يضيعان فرصا اقتصادية مهمة، بسبب الجمود الحالي، كما أن سوء العلاقة بين البلدين من أبرز الأسباب في حالة "الشلل" التي أصابت الاتحاد المغاربي وحالت دون مضيه قدما بعد الإعلان عن تشكيله في مراكش سنة 1989.

 

ولا يقتصر الضرر على الجانب الاقتصادي، بحسب مهدي، لأن البلدين يحتاجان إلى تعزيز تعاونهما الأمني، لا سيما في ظل مخاطر الإرهاب القائمة بمنطقة الساحل والصحراء واستمرار معضلة الهجرة في المنطقة، وسط مخاوف غربية متزايدة.

 

مقالات متعلقة