علماء أزهر لـ «مصر العربية»: خطبة الوداع ذات معانٍ سامية تحقق مفهوم الأمن الشامل

حجاج بيت الله الحرام

عمر هاشم: رسخت للإنسانية في صورتها الحقيقية وحرمت الاعتداء على الأنفس والأعراض. 

 

الشحات الجندى: أكدت على ضرورة القضاء على العصبية البغيضة

 

أكد علماء الأزهر أن خطبة الوداع رسخت للإنسانية في أسمى معانيها وحرمت الاعتداء على الأنفس والأعراض، وأنه من الضروري أن نجعل لهذه المبادئ نصيباً من معاملاتنا وحياتنا، مشددين على ضرورة اعتبارها منهج حياة لما فيها من تلخيص لكافة حلول المشكلات التى تقع فيها الأمة الآن سيما، ما تتعرض له بلاد الإسلام من انتشار لسفك الدماء وانتهاك لحرمة النفس.

 

يقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن يوم عرفة له مكانة كبيرة في الإسلام فهو يوم الحد الأكبر، وفيه كان تمام الأركان والعبادات حيث نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فيه قول الله سبحانه وتعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.

 

ويضيف هاشم لـ" مصر العربية" أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ألقى في موقف عرفات خطبة الوداع العظيمة التي تضمنت الكثير من المعني السامية، والرقي للحفاظ على الإنسانية.

 

حرمة الدماء   

وأضاف أن الرسول في هذه الخطبة أكد على حرمة الدماء التى تنتهك في كل مكان دون مراعاة للإنسانية، فالبرغم أن الإسلام حرم الاعتداء على النفس البشرية أياً كانت إلا أن هناك من يحاول انتهاك هذا التحذير الذي حذر منه القرآن وحذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع في قوله: " كل المسلم على المسلم حرام، ماله، ودمه، وعرضه".

 

ويوضح هاشم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكد على معانٍ سامية أخرى في هذه الخطبة، منها حرمة الأعراض، وحرمة المال والوصية بالنساء، لما في عقد الزواج من ميثاق غليظ أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نحافظ عليه، وأن نصون عهد الله، حيث قال صلى الله عليه وسلم:" استوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، كما أن القرآن الكريم قال عن هذا العقد في سورة النساء" وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً". 

 

وطالب، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الأمة الإسلامية أن تلتزم بمنهج خطبة الوداع وأن تجعله نبراساً يضئ لها الطريق لما فيها من هدي نبوي يرسخ للإنسانية في أسمى صورها، ويحفظ للأمة أمنها ويراعي حرماتها، مشدداً عل ضرورة الالتزام بالهدي النبوي الذي جاء في خطبة الوداع انطلاقاً من كونها ضمن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي قال عنها: " لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي".

 

الناس سواسية  

ويرى الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن خطبة الوداع اشتملت على العديد من النواحي الإنسانية لعل أبرز هذه النواحي هي المساواة بين البشرية كلها وتذكير المسلمين أن أساس التفاضل هو التقوى، والذي لا يعلمها ولا يحكم بها الا الله سبحانه وتعالى، حيث رسخت خطبة الوداع من خلال مبادئها إلى الأخوة الإنسانية التي تحفظ المشاعر وتؤدي إلى المبدأ العظيم في خلق الإنسان وهو التعارف.

 

ويشير الجندي في تصريحاته لـ"مصر العربية"، إلى أن الإسلام قد جاء للقضاء على العصبية القبلية والتعالي والكبر فالشر جميعا متساوون في خلقهم وخلقتهم فجميعهم أبناء آدم وحواء، وهو ما أكد عليه الرسول عندما قال الناس سواسية، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب". 

 

ويوضح الجندي، أن مبادئ خطبة الوداع جاءت لتؤكد ما رسخه الرسول بين أصحابه طوال فترة الدعوة الإسلامية، ومن خلال ما أٌقره القرآن الكريم في سورة الحجرات في قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". 

 

واختتم الجندي حديثه، قائلاٌ: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكد على حرمة انتهاك الأعراض والتعدي على النفس البشرية، ثم سأل الناس هل بلغت قالوا نعم قال: اللهم فاشهد، ليؤكد قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً". 

 

خطبة جامعة   

ويرى الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن خطبة الوداع حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤكد للأمة فيها على كل جوانب المعاملات في الإسلام، وخاصة المعاملات الغنسانية، وأن الله إن كان قد فرض عليهم هذه الفريضة، فهو للتأكيد على قدسية العبادات في الاسلام، والالتزام والقيام بالأحكام.

وأوضح عبد الرؤوف في تصريح لـ "مصر العربية"، أن الأمان يتضح في هذه الفريضة من خلال عدم ترويع صيد البر، تأكيدا على حرمة الدماء، كما أن التأكيد على تطهير الأموال في وضع الربا.

ويشير إلى مدى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون خطبة حجة الوداع جامعة تشتمل على كافة التعاليم التي تنتهجها الأمة الإسلامية.

 

خطبة الوداع 

وفي مثل هذا اليوم - يوم عرفة- من العام العاشر الهجرى خطب الرسول خطبة في حجة الوداع بحضور مائة واربعون الفا من المسلمين قال فيها: 

(الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

 

أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.

 

وإن ربا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.

 

وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

 

أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله.

 

وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

 

وصية الرسول بالنساء

أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق، لكم أن لا يواطئن فرشهن غيركم، ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح.

 

فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

 

أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

فلا ترجعن بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد.

 

أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت؟ اللهم فاشهد، قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب.

 

أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر.

 

من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.

ولما فرغ من خطبته نزل عليه قوله تعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً.

مقالات متعلقة