استيقظ "أحمد"، صباح يوم الجمعة 16 أغسطس 2019 بحالة عصبية، لم يجد لها تفسيرا مباشرا، حيث كات قد قضى لتوه يوما مميزا، بين أفراد أسرته، طوال يوم الخميس، عقب عودته من إجازة قصيرة بالساحل الشمالي، امتدت لثلاثة أيام متواصلة، بمناسبة عيد الأضحى.
نهض من فراشه متثاقلا، ليفاجأ بأن زوجته في حالة مماثلة، حيث بادرت بالصراخ في الأولاد، لدى طلبهم وجبة الفطور، كان الأمر غريبا، حيث اعتادت أن تقدم هذه الوجبة يوميا، بطيب خاطر مصحوبة بابتسامة معهودة، كانت الأم نفسها متعجبة مما يحدث.
بعد نحو ساعة كان الزوجان يجلسان معا، سألها "أحمد": "إحنا مالنا النهاردة؟!"، فأجابته: "مش عارفة بس قايمة النهاردة مضايقة كده وعمال افكر في الحاجات اللي ورايا في الشغل والبيت من أول الأسبوع الجاي.. يمكن مضايقة عشان إجازة العيد خلصت، كانت جميلة".
حينها تأكد "أحمد" أن ما يعاني منه، هو وزوجته لا يتعدى كونه "اكتئاب ما بعد الإجازات"، وهي حالة كان قد قرأ عنها، صدفة، منذ عدة أسابيع أثناء مطالعته موضوعا عن الطب النفسي على شبكة الإنترنت.
يعد "اكتئاب ما بعد الإجازة"، حالة شائعة لدى الكثيرين، ولا نبالغ إذا قلنا أنها تصيب الغالبية العظمى منا، لاسيما إن كانت الإجازة ذات طابع عام، يشترك فيها مجموعة كبيرة من الناس، مثل إجازات الأعياد، حيث تجد نفسك وسط مشاعر عامة من السعادة والغبطة لأيام، الجميع يتشارك البسمة والفرحة، الفاعليات الترفيهية تتوالى، والتجمعات العائلية تستمر، ولقاءات الأصدقاء لا تنقطع تقريبا، كل ذلك يتوجه "لذة" الانفصال المؤقت عن ضغوط الحياة ومتاعب العمل والروتين اليومي.
وتتضاعف حالة الاكتئاب، غالبا، إذا صاحب الإجازة سفر لقضائها في مكان مفتوح، كالشواطئ أو الأماكن الخضراء الواسعة، وفي أغلب الأحوال يجمع الكثيرين بين الحسنيين، حينما يسافرون لقضاء إجازة العيد في مساقط رؤوسهم، الريفية غالبا، والريف بالنسبة لأهل المدن المطحونين في روتين الحياة، بمثابة ملاذ روحي وعالم غير محدود من الراحة النفسية، تزيده لقاءات الأهل الذين لا يراهم الواحد منا سوى في تلك الإجازات تقريبا.
وفقًا لموقع "wanderluststorytellers" الأسترالي، المختص بالسفر والسياحة، تتمثل أعراض "اكتئاب ما بعد الإجازات والسفر" في الآتي:
1- الشعور بعد الرضا. 2- عدم الرغبة في الذهاب إلى العمل. 3- الشعور بفراغ داخلي يصاحبه كثير من الانفعال والتوتر. 4- نوبات خفيفة من البكاء. 5- فقدان الشهية. 6- تقلب المزاج 7- الصداع 8- عدم القدرة على التركيز. 9- فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تسعدنا في السابق. 10- الرغبة في العودة مرة أخرى.
وهنا، سننقل عدة نصائح قد تساعدك على التغلب على هذا الأمر المزعج..
1- إختر أن ترى عودتك إلى روتين الحياة أمرًا إيجابيًا: يجب أن تستعين بلحظات السعادة التي قضيتها في إجازتك في جعلها تدفعك لرؤية حياتك بعدها سعيدة، حاول أن تستمر برؤية الحياة في روتينك اليومي بطريقة إيجابية، كما كنت تراها في الإجازة، حاول أن تبتسم في وجه زملائك في العمل كما كنت تفعل في وجوه الأهل والأصدقاء وحتى الغرباء، خلال الإجازة أو السفر.
2- واحدة من أسهل الطرق للمساعدة في التخلص من اكتئاب بعد السفر هو البدء في تسجيل ذكريات السفر بطريقة مبتكرة ومختلفة، مثل طبع الصور التي التقطتها في الرحلة وتعليقها في حجرتك، أو صنع كتيب ذكريات به تدوينات بأطرف المواقف التي مررت بها خلال سفرك مع لصق، على سبيل المثال، بعض من باقات تذاكر القطارات، أو غيرها من التذكارات الخاصة بالبلد التي زرتها.
3- مارس الفعاليات التي تحبها والتي تفرحك: لا تبتعد عن ممارسة الفعاليات المفرحة، بعد انتهاء الإجازة، اخلق لها وقتا، ولا تستسلم للرغبة في الانعزال والوحدة، هذا الأمر سيخفف كثيرا من وطأة الاكتئاب.
4- لا تعد من الإجازة على العمل مباشرة: أحد الأسباب الرئيسية للاكتئاب بعد الإجازة أو السفر هو الرجوع إلى العمل اليومي، ولذلك ننصحك أن تخطط إجازتك من العمل بطريقة تُبقي لك بعض الأيام للإستراحة بعد عودتك من الرحلة لتتأقلم مع انتهاء إجازتك.
5- زر الأماكن الطبيعية: قد تلائم تلك النصيحة، الذين يعيشون أصلا في مدن ساحلية أو ريفية، حيث تعد خلوة لدقائق أمام البحر أو أحد الحقول أمرا جيدا لتجاوز ذلك الاكتئاب.
6- التفكير في العائد: يجب على الشخص إقناع نفسه بأنه وإن كان سيتعب ويجتهد كثيرًا في العمل لفترة ما، فإن هذا العمل هو ما سيوفر له المال الكافي لكي يسافر ويقضي أمتع وأجمل الأوقات مع أسرته وأصدقائه مجددا، وبهذا يشكل العمل بالنسبة له مصدر دخل ورزق لا مصدر تعب وإرهاق.
7- التغذية السليمة: دائمًا ما نجد أولئك الذين يتمتعون بصحة جسدية قوية وجيدة يكونون في أوضاع نفسية أفضل نادرة التأثر بالأمور البسيطة، ولذا يجب الحرص على تناول الفيتامينات وغيرها من عناصر غذائية تمنح الجسم الحيوية والطاقة والنشاط.
8- استعادة ذكريات الماضي: هناك وسيلة لطالما نصح الأطباء النفسيين باللجوء إليها لضمان الحصول على أكبر قدر ممكن من الراحة دون السفر والترحال، وهي استعادة ذكريات الماضي والصور والحكايات مع الجيران والأصدقاء والأقارب، وما تشمله تلك الذكريات من عجائب وغرائب وطرائف تجعل الشخص يشعر بالراحة والسعادة، وسرعان ما تتجدد حماسته للعمل والإنتاج ويتخلص من أي خمول وكسل وإحباط وعوامل اكتئاب ما بعد الإجازة أو السفر.
9- تأثير الضوء: يعتبر الضوء رغم عدم ماديته إلا أن تأثيره قوي جدًا على حالة الإنسان النفسية والذهنية، ولذلك يُنصح المصاب بمشكلة اكتئاب بعد السفر أن يكثر من الخروج في الشمس في الصباح الباكر وكذلك ما قبل الغروب لضمان التعرض لأكبر قدر ممكن من الأشعة الجيدة، وألا يسجن نفسه في المنزل لفترات طويلة حتى لو كان عمله يتطلب ذلك، ولا شك الضوء سيمنحه الكثير من الحيوية والنشاط.
10- يمكن لك أن تصنع وقتا بسيطا خلال الروتين اليومي في الأيام الأولى لما بعد الإجازة، لتلتقي فيه ببعض الأصدقاء، ولو لساعة أو ساعتين على أحد المقاهي لتتسامروا سويا مثلا، أو التنزه داخل مدينتك أو ما شابه، الأمر سيكون لك بمثابة جرعات خفيفة من المضادات الحيوية لاكتئاب ما بعد الإجازة أو السفر.
أخيرا، "شوف شغلك بقى.. ما احنا مش هنقعد السنة كلها في إجازات يعني".