اقتحم المخرج والتر ساليس، عالمي السينما العامة والسينما الوثائقية، بفيلم "Central Do Brasil" أو "المحطة المركزية" ليحصد 29 جائزة دولية، ومن أبرزها فوز المخرج بجائزة الدب الذهبي في برلين، وفازت البطلة فرناندا مونتينيغرو بجائزة أفضل ممثلة. يتحدث الفيلم عن الخلاص الذي يحدثه اكتشاف عاطفة الحب الإنسانية، وكذلك عن مسألة البحث، البحث على عدة مستويات مختلفة.
يحكي الفيلم البرازيلي "المحطة المركزية" الذي عرضته مؤسسة عبد الحميد شومان، قبل قليل، عن مدرسة سابقة "دورا" تكسب رزقها من كتابة رسائل لأفراد أمنيين في محطة القطار بالعاصمة البرازيلية. وتنقلب الأحداث عندما يأتي إليها في يوم ما امرأة مع ابنها البالغ تسع سنوات طالبة منها أن تكتب وتبعث رسالة إلى والد الطفل الذي هجرهما منذ سنوات ولم يعد، وذلك من أجل أن يعود ويعتني بابنه.
تكتب "دورا" الخطاب وتضعه في المظروف وتكتب العنوان عليه طبقا لما تمليه الأم، ثم تأخذ من الأم المقابل المالي لكتابة الرسالة ولثمن طابع البريد ومصاريف إرساله لأن دورا هي التي تتكفل بإرساله لمكتب البريد، لكن "دورا"، كالعادة، لا ترسل الرسائل بل ترميها.
تغادر الأم والطفل المحطة لنرى "دورا" تقوم ببرود في نهاية اليوم كالعادة بإلقاء الخطابات التي كتبتها في صندوق القمامة وتستحوذ على ثمن الطوابع وأتعاب الإرسال دون أن يبدو عليها أي شعور بتأنيب الضمير.
وفي إحدى المرات وبعد أن تنهي الأم إملاء الرسالة على "دورا" وتدفع لها أجرها تعبر الشارع المزدحم مع أبنها فتصدمها سيارة لتموت في الحال ويبقى الطفل ولا يجد الطفل ما يفعله سوى اللجوء العودة لدورا في حين بدأ المارة يلتفون حوله ويستدعون الإسعاف لنقل جثمان الأم. وتضطر "دورا" أن تساعده في البحث عن أبيه الموجود في قرية نائية. وفي النهاية نكتشف أن الوالد نفسه مات منذ زمن وكان حتى موته يبحث عن الأم والطفل دون جدوى.
يتابع الفيلم العلاقة بين دورا كاتبة الرسائل والصبي، هذه العلاقة التي تنمو عاطفيا إلى أن تتعرض "دورا" إلى تحول جذري من الأنانية والخبث والخداع إلى الانفتاح والحساسية والاهتمام بالآخرين.
يقول المخرج حول فيلمه: "إنه يتحدث عن الخلاص الذي يحدثه اكتشاف عاطفة الحب الإنسانية، هو كذلك عن مسألة البحث، البحث على عدة مستويات مختلفة. وأضاف: "هو قصة صبي يبحث عن أب لم يلتق به أبداً، وقصة امرأة تبحث عن مشاعر فقدتها منذ زمن، الفيلم يُظهر أن ذلك الاتصال ممكن بين أفراد فقدوا كل اهتمام بالآخرين، وببعضهم البعض".
وتابع: "إنه عن إمكانية أن يبدأ المرء حياته من جديد، الفيلم هو، في الواقع، قصة اكتشاف الحب بين شخصيتين متباينتين ويائستين جداً، إنه عن إيجاد المرء مكانا له في العالم، ورؤية العالم ثانية كما ينبغي أن يرى.
وأشار المخرج إلى أن بهذا المعنى فإن فقدان الهوية معلن بوضوح في البداية، لأن كل ما تراه دورا بطلة الفيلم هو خارج البؤرة، فيما عدا الشخص الذي تريد أن تنتزع منه نقوده، فيما هي تبدأ في إدراك العالم بطريقة مختلفة، والعالم الصغير هنا هو الصبي عندئذ يكتسب الفيلم عمقاً معينا.
وأكمل: "المرأة دورا تمثل، بطريقة معينة، الوضع الراهن القديم، والصبي يمثل الإمكانية الجديدة، إمكانية التغيير من خلال الفعل".
ويتضح معنى التغيير في "المحطة المركزية" في أنه، للمرة الأولى، يحدد الصبي من جديد مصيره الخاص، إنه يعيد تعميد نفسه، وبفعل ذلك هو يصبح أشبه بالملاك الذي يساعد الآخرين على ذلك النوع من التغيير.
في هذا الفيلم، ترمز محطة القطار بذاتها، إلى ما كانت البرازيل ترغب في أن تكونه لكنها لم تنجح في تحقيقه، فإن محطة القطار، المكان الذي من خلاله يعبر آلاف الأشخاص يوميا، كانت بطريقة ما، نموذجا للمدينة البرازيلية.