أحيانًا يكون المرض منحة تجعل من صاحبها شخصًا أكثر ابتكارًا وإنسانية، وهذا ما حدث مع "جواو ستانغانيلي جونيور"، فرغم سنوات عمره التي تجاوزت الـ 64 عامًا، إلا أنّ معاناة مرضه، دفعته لأن يبتكر شيئًا يدعم به نفسية من يعانون مثل معاناته وخاصة الأطفال، حتى لا يشعروا بالحرج من نظرات المجتمع لهم.
حين كان "جواو ستانغانيلي" في الثلاثينيات من عمره أصابه مرض "البهاق"، تناثرت البقع البيضاء على جلده، وكغيره من المصابين بهذا المرض بات يشعر بالحرج من نظرات المجتمع له وكأن مرضه "وصمة"، وظل لسنوات عديدة يعاني تلك النظرات التي كانت تترك أثرًا سيئًا في نفسه.
و"البهاق" هو مرض جلدي، يسبّب بقعًا بيضاء بالجلد نتيجة لاختفاء مادة "الميلانين" المسئولة عن تكوين صبغة الجلد، ورغم أنّه غير معديٍّ؛ إلا أنّ المصابين به يتعرضون لضغوط نفسية واجتماعية عديدة بسببه.
ويعد "البهاق" من أكثر الأمراض الجلدية انتشارًا في العالم، فبحسب تقديرات منظّمة الصحة العالمية، يتراوح المصابون به بين حالة من بين 5000 شخص وحالة من بين 15000 شخص فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فى حين أنّه فى أوروبا وأمريكا الشمالية يصاب شخص من بين 20 ألف شخص.
الفنا البرازيلي "جواو ستانغانيلي" عانى لسنوات طويلة مع "البهاق"، ولهذا قرّر أن يصنع "دُمى" بالكروشيه بألوان مموهة، تشبه الحالة الجلدية لمرضى "البهاق"، حتى يحسن الحالة النفسية للأطفال المصابين بهذا المرض، وتقبل شكلهم دون الشعور بالحجل.
كان ذلك الرجل البرازيلي، يعمل بفن الطهي، ولما تقدّم به العمر أصبح أقل قدرة على العمل، ولكنه لم يستسلم أمام حالته الصحية التي أخذت في التدهور، بل سلك الطريق إلى فنّ آخر وهو "الحياكة، بحسب موقع "Bright Side" الذي قدم تجربة "جواو".
يقول "جواو" إنه وجد بعض الصعوبة في البداية مع "الحياكة" هو وزوجته، فقد أتعبت ظهره وأصابعه كثيرًا، ولكنه الآن يقضي أكثر من 90% من وقته في صناعة "الدمى" أصبحت تنهال عليه الكثير من الطلبات.
أصبح الفنان البرازيلي يتعامل مع صنع "الدمى" وكأنها "إدمان" فهي لها جاذبيتها التي تجعل من الصعب أن تتوقف أصابعه عن الحياكة.
جاءت فكرة مشروع "جواو" من دمية صنعها لحفيدته، ومن هنا ابتكر "دمية" مع بقع البهاق، وولدت فكرة المشروع، وهو ما جلب له مزيدًا من احترام الناس وتشجعيهم له على مواصلة الفكرة ونشرها.
تحولت فكرة "جواو" إلى مشروع ألقى استحسان وثناء الكثيرون، لاسيما بعدما نشر "جواو" فكرته على مواقع التواصل الاجتماعي عبر "فيس بوك" و"انستجرام"، واعتبر ذلك الأفكار والمشروعات الطريقة المثلى لإعادة شيء نافع إلى المجتمع.
ويقول جواو :"نظرتي إلى البهاق تبدو لي مختلفة تمامًا عن عامة الناس، أعتقد أنه من الضروري أولاً أن تكون مصابًا بالبهاق، وبعد هذا القبول تختار ما تريد القيام به".
صنع "جواو" مؤخرًا دمية للمؤلفة تاتي سانتوس دي أوليفيرا، التي كانت ابنتها ماريا لويزا تبلغ من العمر ثلاث سنوات عندما بدأت ظهور بقع بيضاء تدريجيًا على ساقيها الصغيرتين وظهرها وذراعيها.
حين علمت "تاتا" بتشخيص مرض ابنتها بـ"البهاق" باتت تبحث إلى جانب العلاج، كيف تدعم ابنتها حتى تقبل بهذا المرض، كما يروي "جواو".
وبعد يومين فقط كتبت "تاتي" كتابًا تحت عنوان "الفتاة المصنوعة من الغيوم"، تروي فيه قصة ماريا لويزا وسرها الخاص، بأن لديها بقعًا مصنوعة من الغيوم، واعتبرت ذلك طريقة لعلاج قبول المرض بحساسية.
أما جواو ينظر إلى "البهاق" بشكل مختلف، إذ يقول: إنّ فهم الاختلاف والتعرض له أفضل طريقة لتعزيز الاندماج، مع محاربة الوصمة الاجتماعية التي يعززها الجهل، وهو ما يحاول غرسه في الأطفال من خلال الدمى التي يصنعها تشبه المصابون بهذا المرض، فهي تدعم الأطفال لتقبل شكلهم، وفي الوقت ذاته ترسم البسمة على وجههم.