سيدة بهية الطلة جميلة المنظر أطلت من صورة فوتوغرافية وهي تجلس على مقعد متحرك، لم يكن مُرتكزًا على الأرض ولكنه كان سابحًا في أعماق البحار..تلك اللقطة تشاركها المئات من رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" خلال الـ 48 ساعة الماضية، مشيدين بتحديها لإعاقتها وبذاك الغواص المرافق لها في رحلتها.
تواصلت (مصر العربية) مع تامر سالمان، الغواص الذي ظهر برفقة تلك السيدة، ليروى لنا قصة هذا المشهد، خاصة وأنه تم تكريمه لاعتباره أول مدرب غوص في مصر والعالم يقوم بالغطس مع سيدة من ذوي الاحتياجات الخاصة تجلس على كرسي متحرك في منطقة رأس محمد بجنوب سيناء غطسة كاملة على عمق 24 مترا.
"سو اوستين" هو اسم السيدة التي اعتلت المقعد المتحرك، وهي إنجليزية الأصل، يعود عشقها وارتباطها بعالم البحار قبل سنوات طوال .. حينما جاءت إلى البحر الأحمر قبل أن تصاب بالإعاقة نتيجة مرض جيني يصيب العضلات والأعصاب حيث تتوقف العضلات الإرادية واللاإرادية وفي مقدمتها الاعاقة الحركية.
عكفت "أوستين" قبل الاصابة نحو الحصول على العديد من الدورات التدريبية في مجال الغطس، فيقول تامر: هي لديها خبرة لا يستهان بها كغواصة فضلًا عن أنها جابت البحر الأحمر عدة مرات.
لكنها توقفت لفترة طويلة عن ممارسة هوايتها المفضلة إثر إصابتها بالاعاقة الحركية، وعندما تقبلت وتأقلمت مع حالتها المرضية قررت أن تخوض تحديًا مع اعاقتها بالقيام بشي تحبه وهو الغطس.
وعن قصة الكرسي المتحرك الذي ظهرت "أوستين" به في الصورة المتدوالة يقول "تامر": هذا المقعد هو اختراع حصري من كرسي عادي للغاية، فقط تم تعديله وإضافة محركات وزعانف له كي تتحرك به تحت الماء، وتتمكن من عمل الحركات الفنية، وهذا جاء بعد تخطيط وتعديلات ميكانيكية من فريق متكامل هي على رأسهم.
يضيف تامر: لم تكتف المغامرة الشابة بالغطس المعروف لدى الإعاقة، ولكنها كونت فريقًا من أعز اصدقائها، وهم اغلبهم غواصين محترفين على درجة لتدريب على هذا النوع من الكراسي داخل حمام السباحة والبحيرات الإنجليزية الباردة، وانتشرت أخبارها في انجلتراوتم تبني مشروعها من منظمات عدة إلى أن وافقوا على دعمها للتجربة في البحر.
وتابع: انهالت عليها العديد من العروض من مناطق غطس في دول عدة إلا أنها اصرت على البحر الأحمر وشرم الشيخ خاصًة، وتم اختياري من جانب مركز الغطس الذي انتسب إليه لتنفيذ تلك التجربة مع فريقها وزميلة إنجليزية، وهي استاذتي ايضًا التي تعلمت منها الكثير من الأمور.
يقول تامر: خططنا معًا كل التجارب وقمت أنا بالاهتمام المباشر بالسيدة وتأمينها طوال فترة التجارب، ونتيجة للثقة التامة منها وفريقها تم الاعتماد علينا بشكل كامل في تنفيذ مشروعها لتوثيق وتصوير هذا الاختراع وفكرتها بتحدي الاعاقة.
اعتمد اختراع "اوستين" من جانب اللجنة العليا الأولمبية لتصوير فيلم وثائقية عرض في دورة الألعاب الأولومبية 2012، وهي منشورة على اليوتيوب تحت عنوان finding the flame or underwater wheelchair deep blue .
تعد غطسة "أوستين" بمقعدها المتحرك في رأس محمد، بمثابة أكبر وأجمل أمنية تمنتها، فبهذه الغطسة صارت أول سيدة تقوم بهذه التجربة في هذا المكان.
لم يكن الأمر يسيرًا بالمرة بالنسبة للغواص المصري، حيث نفذ مع السيدة صاحبة التحدي التجربة على مدار اربع اسابيع متفرقة خلال عام ونص، وفي كل رحلة كان يخرج منها بإصابات بالغة في عضلات الرجلين نتيجة الاجهادات الزائدة والأحمال.
يقول تامر: كان الأمر في البداية اشبه بالمستحيل ولكن بفضل التخطيط، وتوفيق الله قمت بحملها تحت الماء كما في الصور أثناء عبور التيارات المائية داخل الغطسة، وجميع الفريق ممن تواجدوا حولنا كانوا يقوموا بالتصوير والتوثيق وتقديم المساعدة عند الحاجة.
يقول تامر: أن هذا يعد مشروعًا متكاملًا تم البدء فيه عام 2011 والانتهاء منه في 2013.