الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعد قبل توليه سلطة البيت الأبيض بإنهاء مشاركة قواته في «الحروب التي لا تنتهي»، ومع قرب نهاية ولايته مازال عدد القوات الأمريكية المنتشرة في الخارج كما هو.. فما هو القرار المنتظر في يناير الذي يتوقع أن يثير انتقادات المشرعين والحلفاء والمسئولين العسكريين؟.
عدد القوات الأمريكية المنتشرة في الخارج حالياً يبلغ حوالي 200 ألف جندي، وينتشر في أفريقيا ما بين ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف جندي في غرب القارة كما في شرقها، وخصوصا في الصومال ، إلا أن وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون)، تدرس تقليص أو حتى سحب هذه القوات في إطار إعادة انتشار للقوات العسكرية في جميع أنحاء العالم.
وتجري خطط الانسحاب من غرب إفريقيا في أروقة البنتاجون فقط، دون استشارة الكونجرس، حيث يسعى وزير دفاع ترامب، مارك إسبر في إعادة النظر بالانتشار الأمريكي على مستوى العالم، عبر التخلي عن مهمات مكافحة الإرهاب للتركيز بشكل أكبر على مواجهة الخصوم التقليديين كروسيا والصين، في إطار ما يسمى بتنافس القوى العظمى.
فالرئيس الأمريكي لا يُنهي هذه الحروب بقدر ما ينقل القوات الأمريكية من صراعٍ إلى آخر، لذا يمكن القول إنَّ مبادرة إسبر تهدف إلى تنفيذ عملية إعادة للتوازن، وإعادة لتركيز أولويات البنتاجون على مواجهة القوى العظمى مثل روسيا والصين.
وفي خطوةٍ أولية من عملية مراجعة توزيع القوات الأمريكية، التي يمكن أن تعيد تنظيم الآلاف من القوات في جميع أنحاء العالم، وفقاً لمسئولين على درايةٍ بالمداولات الداخلية، درس إسبر مقترحات لإجراء تخفيض كبير في أعداد القوات الأمريكية المتركزة في غرب إفريقيا، أو حتى سحبها بالكامل.
وكان إسبر قد قال، في الشهر الجاري ديسمبر"لقد بدأنا عملية مراجعة أدرس فيها كل ساحة من ساحات الصراع، وأحاول فهم المتطلبات التي وضعناها، وأحرص على الوصول إلى أقصى قدرٍ من الكفاءة في استخدام قواتنا".
وتعكس مبادرة إسبر التخلُّص من عمليات نشر القوات الأمريكية المستمرة منذ 18 عاماً بهدف مكافحة الإرهاب في الأماكن التي تعاني تشدداً وتمرداً، في إطار المساعي الأمريكية إلى تقليص المهام العسكرية الأمريكية، التي نُشِرَت لقتال الجماعات المتشددة بعد أحداث 11 سبتمبر.
ويتركز الآلاف من الجنود الأمريكيين في هذه البلاد ، سعياً للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، ولكن دون وجود حلولٍ نهائية تلوح قريباً في الأفق، وفي إطار تلك المهمة، تعرّض أربعة جنود أمريكيين لكمين، وقُتِلوا قبل عامين أثناء إجرائهم دورية في النيجر.
وبحسب ما ذكره مسؤلين اثنين أمريكيين رفيعين فإن تنظيم "الشباب الصومالي" ما يزال يشكل تهديدا على الصومال والبلدان المجاورة، إلا أنه لا يمثل خطرا مباشرا على الولايات المتحدة.
ويوجد في الصومال حوالي 500 من موظفي البنتاجون ما بين مدني وعسكري بحسب قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا، لا يعُرف كم سيبقى منهم في الصومال في إطار الخطة الجديدة.
وبحسب البنتاجون ، نفذت الولايات المتحدة في الصومال 35 غارة جوية عام 2017 و45 غارة أخرى عام 2018.
وتعتبر المهمة الأساسية للقوات الأمريكية المتركزة في غرب إفريقيا هي تدريب قوات الأمن هناك، ومساعدتها لقمع الجماعات الإسلامية مثل بوكو حرام وفروع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
إلا أن فريق إسبر شكَّك في قيمة تلك الجهود، ويريد تقليص حجم القوات الأمريكية المنتشرة التي تهدف إلى مواجهة المقاتلين المتشددين، الذين يفتقرون إلى أي قدرةٍ مُثبتة على مهاجمة الولايات المتحدة في حدودها أو أي نية واضحة لفعل ذلك، بحسب تصريحات مسئولون أمريكيون.
وقالت صحيفة"نيويورك تايمز" الأمريكية التي أوردت الخبر، إن مناقشات الانسحاب الواسع النطاق من غرب إفريقيا، تشمل التخلِّي عن قاعدةٍ للطائرات بدون طيار أنشئت حديثاً بقيمة 110 ملايين دولار في النيجر، وإنهاء المساعدة العسكرية للقوات الفرنسية التي تقاتل المتشددين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.
وتناهز تكلفة دعم واشنطن لهذه العمليات، خاصة على صعيد الاستخبارات والعمل اللوجستي، 45 مليون دولار سنويا ، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويواجه الفرنسيون ودول الساحل تصاعدا للعنف، كان أخره مقتل 71 جنديا نيجيريا بهجوم على معسكر ايناتيس في العاشر منذ ديسمبر الجاري، وقبل ذلك ببضعة أيام قضى 13 جنديا فرنسيا في اصطدام مروحيتين في مالي.
وكان لفرنسا وجود عسكري كبير في مالي منذ عام 2013، عندما شنت هجوما ضد المتطرفين المرتبطين بتنظيم القاعدة والذين اجتاحوا شمال البلاد.
وأكدت الصحيفة أنَّ هذه الخطط ستثير انتقاداتٍ من المشرعين والحلفاء والمسئولين العسكريين، ويمكن أن تؤثِّر في النهاية في معظم المهام العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم بطريقةٍ ما.
ويقول مسئولون إن إجراء تعديل على عدد القوات المتركزة في إفريقيا سيتبعه نشر قواتٍ أمريكية في أمريكا اللاتينية، وإنَّ سحب القوات من العراق وأفغانستان سيحدث، كما كان متوقعاً.
وكان ترامب قد وعد خلال حملته عام 2016 بوضع حد لـ"الحروب التي لا تنتهي"، وسبق أن أعلن خفضا كبيرا لعدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في سوريا، ويعتزم القيام بالأمر نفسه في أفغانستان.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أجرت مناقشة داخلية مشابهة،لخفض القوات في أفريقيا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001،وخاصة فيما يتعلق بجهود مكافحة "طالبان"، إلا أن بوش لم يتمكن من رؤية الفرق بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان، وألقى باللوم عليها وهاجمها، لأنها وفّرت ملاذاً لأسامة بن لادن وأتباعه.