قال "تسفي برئيل" محلل الشؤون العربية بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن رد إيران على اغتيال واشنطن قاسم سليماني سيكون وفق رؤيتها للحادث، وما إن كان حادثا خطيرا يستوجب ردا انتقاميا "مركزا"، أم "زلزال" يقود إلى حرب واسعة.
وأكد "برئيل" أنه من السابق لأوانه معرفة رد حركات الاحتجاج في العراق على اغتيال سليماني الذي يعتبره المتظاهرون هو وبلاده سبباً فيما آلت إليه الأوضاع في العراق.
ولفت إلى أن إسماعيل قاني خليفة سليماني في قيادة "فيلق القدس" سيطلب منه "الانتقام بسرعة" والحفاظ على مكتسبات إيران في العراق وسوريا ولبنان.
إلى نص المقال..
لم تمض بضعة ساعات على تصفية القوات الأمريكية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الغيراني، قاسم سليماني، حتى أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي تعيين نائبه إسماعيل قاني خلفا له.
وسوف يطلب من قاني وهو جنرال ذو خبرة طويلة في خدمة فيلق القدس يتولى منصبه منذ 1997، السير بسرعة على درب سليماني، وأن يظهر عزم إيران على مواصلة سياستها في العراق، وسوريا ولبنان، وهي مناطق سيطرة فيلق القدس. سيكون عليه أيضا أن يخطط للرد الإيراني على الاغتيال، بحيث يكون رداً "بالغ القسوة" مثلما تعهد على خامئني- والأهم الحفاظ على المكاسب الإستراتيجية لإيران خارج حدود البلاد.
ينشغل المعلقون والمحللون في الغرب وفي الدول العربية وإسرائيل، ببلورة سيناريوهات الرعب لوصف رد إيران المتوقع. ويتحركون بين توقع شن هجوم صاروخي على أهداف أمريكية وسعودية، وإطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل، وإرسال فرق اغتيالات إلى أوروبا والدول العربية لضرب أهداف مؤلمة كما عملت إيران في الماضي، وصولاً إلى انسحاب إيراني تام من الاتفاق النووي واستئناف إنتاج اليورانيوم إلى المستوى السابق على توقيع الاتفاق النووي.
ومع ذلك، على الجانب الآخر من خريطة السيناريوهات، ستضطر إيران إلى الأخذ في الاعتبار تداعيات الرد في إيران والعراق. فمحطات النفط الإيرانية بالخليج الفارسي، والتي يسيطر الحرس الثوري على معظمها، هي هدف مريح وسهل لسلاحي الطيران والبحرية الأمريكيين، كذلك أثبتت قواعد المليشيات في العراق "حساسيتها" لهجمات أمريكية هذا الأسبوع، كما أن القرار بالانسحاب نهائياً من الاتفاق النووي سيلعب جيدا لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، واللتين يمكنهما في الحالة القصوى شن هجوم على المواقع النووية.
وبخلاف هذه السيناريوهات المألوفة، يمكن أن يكون لاغتيال سليماني انعكاسات على قدرة إيران على إملاء سياساتها في العراق.
وقد شغلت هذه الساحة (العراق) اهتمام قائد فيلق القدس (سليماني) في الأشهر الأخيرة، واعتبرها هو وخامنئي أهم مرتكز - حتى أكثر من لبنان - لتمديد نفوذ إيران في المنطقة.
أصبح من الواضح هنا أنه على الرغم من مواهب وخبرة سليماني، فإنه لم يتوقع مدى المظاهرات وقوة تهديدها للحكومة العراقية التي شكلها من خلال المليشيات والأحزاب الموالية لإيران.
خلال الأسابيع الأخيرة تعرض سليماني لانتقادات من الداخل لفشل حملة قمع التظاهرات في العراق ولـ "خسارة" رئيس الحكومة المستقيل، عادل عبد المهدي، الذي يعتبر القبضة الإيرانية الممسكة بالنظام العراقي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُضرب فيها سليماني على رأسه. في المرة الأخيرة، قبل حوالي أربع سنوات، أُبعد من الساحة العراقية بسبب إخفاقه في توقع ومنع غزو داعش للبلاد. قصر خامنئي أنشطته على الساحة السورية، لكنه عاد في وقت لاحق لإدارة الساحة العراقية.
وطبقاً للتقارير الواردة من العراق، فقد أفرغت العاصمة بغداد من المارة أمس وتفرقت الاحتجاجات. مع ذلك، ما زال الوقت مبكراً لتقييم رد فعل حركات الاحتجاج التي تعتبر إيران وسليماني السبب الرئيسي لأزمة البلاد.
في العراق يحاول زعماء سياسيون الآن صياغة سرد وطني موالي لإيران، على النحو الذي عبر عنه عبد المهدي - الذي وصف اغتيال سليماني باعتباره انتهاكا خطيرا لسيادة العراق بل حتى هجوما مباشرا عليه. لكن هذا التصريح ينطوي أيضاً على جانب آخر، يربط بين مصير العراق ومصير إيران، وهو ما يمكن أن يشعل مجددا حركات الاحتجاج.
في باقي الساحات الإيرانية لاسيما بسوريا ولبنان، يتوقع أن تلتزم إيران بسياسة الاحتواء التي تهدف إلى منع روسيا وتركيا من التغول على المحافظات الواقعة تحت سيطرتها في سوريا، ووقف الانجراف السياسي في لبنان، التي يمكن لإيران فيه الاستمرار والاعتماد على قوة حزب الله لفرض الإملاءات السياسية والاهتمام بمصالحها.
في كلتا الساحتين تمتلك إيران قدرات عسكرية مباشرة وغير مباشرة يمكنها أن تغري قادتها لإشعال الحدود مع إسرائيل. إلا أنها في سوريا تلتزم بمراعاة مصالح روسيا، التي استبعدت حتى الآن إيران من معظم الغنائم الاقتصادية، ومن المشكوك فيه أن تقف روسيا جانبا إذا ما تحولت سوريا إلى ساحة حرب شاملة بين إيران وإسرائيل.
ما يثير الاهتمام في هذا الصدد هو رد السيناتور الروسي كونستانتين كوساشيف رئيس لجنة العلاقات الخارجية، الذي وصف اغتيال سليماني بأنه "أسوأ سيناريو" وأنه "يمكن توقع أن الرد الإيراني لن يتأخر".
لكن لم يسمع في كلامه أي إدانة أو تهديد، بل عكس إلى حد كبير آراء وزير الخارجية سيرجي لافروف، الذي قال اليوم إن الاغتيال "سيزيد التوتر في الشرق الأوسط".
هذا الرد المائع يدل على البعد بل واللامبالاة التي تميز سياسة روسيا في كل ما يتعلق بالصراعات التي تسببها إيران في المنطقة، طالما أنها لا تضر بالمصالح الروسية. هذه هي السياسة التي أوجدها أيضاً التنسيق العسكري بين إسرائيل وروسيا الذي يسمح لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية بشكل غير محدود تقريباً.
يمكن معرفة السياسة المتوقعة لإيران وفق الطريقة التي ستحدد من خلالها الاغتيال، وما إن كانت ستعتبره حدثا محدودا، خطيرا ومؤلما، يتطلب ردا انتقاميا قاسيا لكن مركز، أم ستصنف الحادث كمساس خطير بهيبتها ومؤسستها الأمنية، ما سيشكل "زلزالا" من شأنه أن يكون سببا لحرب واسعة.
الخبر من المصدر..