بين جدران المنزل الأربعة في حي الأميرية، ضرب الأب السبعيني مثلًا للزوج ورب البيت كما قال الكتاب، فبعدما مرضت حبيبته وتدهورت صحتها بدرجة جعلتها تفقد الذاكرة، ظل صاحب الشعر الأبيض إلى جوارها يوفر لها كافة حاجياتها دون كلل أو ملل ناسيًا أو ربما متناسيًا اي ارهاق أو تعب يمر به رغم وصوله لسن يحتاج فيه لمن يرعاه.
فما بين جلب الأدوية والخضروات من الأسواق وغسل الصحون والاهتمام بكل التفاصيل الصغيرة لرفيقة عمره التي باتت طريحة الفراش بدءًا من تنظيفها وإطعامها والسهر إلى جوارها، كرث الرجل السبعيني وقته من أجلها هي ونجلته التي يعاملها هي الأخرى كـ "أميرة" نظرًا لأن لديه قناعة مترسخة داخله أنه حينما يكرم صغيرته ايضًا سيأتي لها "أميرًا" يطلبها ويكرمها في عش زوجيتهما.
الأب الذي تخطى سن المعاش منذ سنوات، لم يكتف برعاية حبيبته فقط ولكه ايضًا نحى راحته جانبًا وقرر أن ينزل للعمل كي يوفر لأم أولاده مصاريف علاجها..
تواصلت (مصر العربية)؛ مع "فاطمة الزهراء" ابنة هذا الرجل الذي ضرب مثلًا للوفاء، في زمن تمتلئ فيه محاكم الأسرة بالكثير من القضايا، وبات لدى نساء كثر قناعة بأنه من الصعب العثور على رجل وفي في هذا الزمن، ليطل علينا " " وكأنه يرد على كل ما يدور في أذهان بعضهن بصورة عملية توصل رسالة بأن "الدنيا لسه فيها خير"..
بكاءٌ شديد وانهيار تام انتاب "إبراهيم شعبان أحمد" صاحب الـ 73 عامًا قبل نحو 5 سنوات، حينما علم أن رفيقة دربه، داهمها ذلك الورم الخبيث في مخها، حزن عميق اعتصر قلبه عليها، إثر هذا الخبر الصادم الذي نزل عليه كالصاعقة.
هنا قرر أن يكون سندًا لها في معركتها، فتقول ابنته "فاطمة" لـ "مصر العربية": حينما اصيبت أمي منذ 5 سنوات بالورم و3 جلطات فضلًا عن كونها مريضة سكر منذ 16 عامًا، وجدت أبي يكرث نفسه لخدمتها وبات رهن اشارة منها وصار تحت قدميها".
ففي الساعة العاشرة صباحًا يستيقظ رب الأسرة ويقوم بتحمية زوجته ويغير لها ثم يحضر وجبة الإفطار ويعطيها أدويتها، وبعدها يخرج اللحوم من الفريزر من أجل طهيها لحين عودته من العمل، وحينما يرجع للبيت يقوم باستكمال مهامة التي ينجزها عن طيب خاطر وحب، فيدلك قدم حبيبته ويمرنها على المشي ثم يجلس يحكي معاها ويؤنسها.
"فاكرة يا أم أحمد لما كنا بنعمل كذا... طيب فاكرة كذا وكذا.."؛ حكاوي على هذا النحو تجري على لسان الزوج المخلص يوميًا في جلسة تجمعه مع رفيقة دربه في محاولة منه لتنشيط ذاكرتها إثر إصابتها بالزهايمر وهو الأمر الذي ساعدها ألا تتدهور الحالة أكثر مما هي عليه الآن.
الأب الذي كان يعمل مديرًا لإحدى المدارس قبل بلوغه سن المعاش، قرر أن ينزل لإعطاء دروس خصوصية، كي يتمكن من توفير مصاريف علاج زوجته باهظة الثمن وحاجيات البيت خاصة أن معاشه لا يتخط الـ 1800 جنيهًا.
ثقول الإبنة: " دايمًا يقولي كلمة بترن في ودني أنا مينفعش اهينك في بيتي علشان جوزك ميهنكيش في بيته هتفضلي متعززه في بيتي علشان تعرفي تختاري اللي يعززك في بيته، ساعة لما تعبت وفي نفس الوقت ولدتي تعبانة كان ينزل يجبلي دوا ويطلع يعملي كمدات ويكنس ويمسح ويطبخ ويحمي ماما ويديها دوا ويرجع يكملي كمدات".
تشعر الإبنة بإمتنان شديد لأبيها الذي يتفاني في خدمة أمها المريضة، ويسخر كل صحته ومجهوده من أجلهما قائلة: "يمكن ربنا متع بابا بالصحة عشان خاطر يبقى جنب ماما، وأنا فخورة به إنه مفكرش في يوم يتجوز واحدة تانية".