لا يخلو عصر من الأوبئة والأمراض التي تتنوع أشكالها وطرق انتشارها، وتختلف الأمم في سبل مواجهتها، ولكن المنهج الإسلامي، الذي عمّت أطروحاته مناحي الحياة كافة، يتميز بأنه فصل الخطاب فيما يتناوله من قضايا ومشكلات، وذلك لسببين أحدهما أنه يستند إلى الوحيين الكتاب والسنة، والثاني قاعدته العامة في إسناد الأمور إلى أهل الاختصاص؛ «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»..
ومع انتشار فيروس كورونا، والتوجسات التي تداهم الكوكب بأثره، بماذا واجه الإسلام مثل هذه الأوبئة؟ وهل ثمة إرشادات حث عليها الإسلام للسيطرة عليها؟ وهل هناك نصوص مباشرة تتحدث عن مثل هذه الوقائع؟
بداية دعونا نسلِّم بأن مثل هذا البلاء آية سماوية تهدف إلى التذكير والعظة؛ «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا»، يخاف العاصي فيتوب ويخاف المؤمن فيزاد إيمانه ويقينه..
جاء في «صحيح مسلم» من حديث عامر بن سعد أن رجلا سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن الطاعون، فقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنا أخبرك عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل أو ناس كانوا قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها عليه، وإذا دخلها عليكم فلا تخرجوا منها فراراً .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري ومسلم أنه قال: «لا يورد ممرض على مصح» من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
تفرق المعاجم العربية بين الطاعون والوباء، وخلاصة الفرق- والذي ذكره ابن القيم الجوزية في زاد المعاد- أن بينهما عمومًا وخصوصًا؛ فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعون، وكذلك الأمراض العامة أعم من الطاعون؛ فإنه واحد منها.
وبذلك يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع أهم قاعدة في الوقاية من الأوبئة والحد من انتشارها، فكانت كلماته تأسيسًا لفكرة «الحجر الصحي» التي أوصت بها كل المنظمات والهيئات الصحية المعاصرة.. وهذا هو المتبع الآن في مواجهة وباء العصر المعروف بـ«فيروس كورونا».
ويعدد ابن القيم الأسباب والحكم التي من أجلها منع الشرع الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها الوباء أو الطاعون، منها:
1: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد منها.
2: أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيصيبهم المرض.
3: أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
وكذلك عدد العلماء الأسباب والحكم التي من أجلها منع الشرع الخروج من البلد الذي فيه الوباء، منها:
1- حمل النفوس على الثقة بالله، والتوكل عليه، والصبر على أقضيته والرضا بها
2- الحرص على عدم انتشار العدوى في البلاد غير الموبوءة.
3- أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه – بالمرض المذكور أو بغيره– ضائع المصلحة لفقد من يتعهده حياً وميتاً.
وفي النهاية يبقى الأمر فتنةً؛ يدعو المؤمن فيها بالثبات وحسن التوكل على لله والصبر على قضائه وقدره، وتحصر غير المؤمن في مسلكين يقيسان عقله وقلبه؛ فهو إما أن تزجره آيات الله ووعيده، فيعود تائبًا إلى ربه ومولاه، وإمَّا أن ينازع ربه رداء الكبرياء ويركن إلى الحجج والتبريرات المادية ويفوّت على نفسه ذلك النذير، ولكنه الشقاء الذي لا يبرح قلوب الجاحدين؛ {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}