محاولة للفهم.. هل تنسف «إدلب» التقارب التركي الروسي؟

يواجه التقارب بين موسكو وأنقرة منذ فترة طويلة تحديات في شمال غرب سوريا.

 

ويبدو أن هجوم النظام السوري الذي تدعمه روسيا وإيران لاستعادة إدلب يهدد النفوذ التركي في المنطقة ويهدد بإرسال موجة جديدة من اللاجئين إلى تركيا، التي تستضيف بالفعل أكثر من 3 ملايين من اللاجئين السوريين.

 

ففي 3 فبراير الجاري، قصف النظام السوري نقطة مراقبة تركية في إدلب ما أدى إلى مقتل 6 جنود أتراك. وإزاء ذلك، ردت تركيا بمجموعة من الضربات ضد مواقع النظام.

 

وتشير التطورات إلى مرحلة جديدة وخطيرة من الصراع في إدلب؛ حيث توغلت قوات النظام في عمق المحافظة؛ ما دفع تركيا إلى الرد بنشر قوات جديدة مباشرة في طريق القوات المتقدمة.

 

بالنسبة لتركيا، إنها لعبة ضغوط عسكرية عالية الخطورة لضمان عدم تدفق أعداد جديدة من اللاجئين إلى تركيا والحفاظ على نفوذها شمالي سوريا. تعتقد أنقرة أن استراتيجيتها لن تشعل أزمة عسكرية كبيرة مع موسكو، لكن كلما توغلت قوات النظام في إدلب، زاد احتمال أن ينتهي المطاف إلى مواجهة مباشرة؛ حيث تخاطر تركيا ببدء أزمة عسكرية كبيرة مع روسيا.

 

تستضيف إدلب 4.5 ملايين سوري نزحوا من أماكن أخرى في البلاد، ولا تريد تركيا أن تضيفهم إلى العبء الكبير الذي تتحمله بالفعل.

 

استراتيجة تركيا

 

واعتمدت استراتيجية تركيا على دعم مجموعة واسعة من جماعات المعارضة المسلحة لمحاربة دمشق وحلفائها من الروس والإيرانيين، في الوقت الذي تواصل فيه ثقلها الدبلوماسي للتفاوض مع روسيا لإبطاء الهجوم.

 

لكن وسط مساعيه لاستعادة سلطته على كل سوريا، وجد نظام "بشار الأسد" العديد من الاستراتيجيات الفعالة لتقويض موقع تركيا في إدلب.

 

على سبيل المثال، منحت عملية أستانا تركيا سلطة إنشاء 12 مركز مراقبة (تم توسيعها الآن إلى 18) كجزء من جهود خفض التصعيد، لكن نظام "الأسد" تحايل ببساطة على الموقف، وقطع الوصول إلى 3 مراكز مراقبة.

 

ورغم أن تركيا حاولت استخدام علاقاتها مع قوات المعارضة لرفع تكلفة تقدم النظام السوري، نجحت قوات "الأسد" في استرداد كثير من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، واستحوذت مؤخرًا على بلدات على الطرق السريعة M4  وM5 التي تربط محافظة إدلب بقلب سوريا.

 

وبالنظر إلى التقدم السوري التدريجي، فإن أنقرة لديها سبب لمنع حدوث فيضان لللاجئين قبل حدوثه، خاصة أن اقتصاد تركيا الهش والعداء المتنامي للعرب في تركيا يجعل من الصعب على حكومة الرئيس "رجب طيب أردوغان" الترحيب بالمزيد من اللاجئين السوريين.

 

في نفس الوقت، ترغب تركيا في التمسك بإدلب؛ حيث توفر المحافظة منطقة عازلة تسمح لها بالحفاظ على نفوذها في مناطق أخرى من شمال سوريا.

 

تشجيع قوات الأسد

 

ومن شأن النصر السريع لـ"الأسد" في المحافظة أن يشجع قوات النظام السوري على تحويل انتباهها إلى مناطق أخرى من النفوذ التركي، بما في ذلك مناطقها العازلة في الشمال الشرقي، وكذلك مناطق عفرين وشمال حلب.

 

ولمواجهة المزيد من التطورات، ستواصل تركيا نشر المزيد من القوات في إدلب. ومن المرجح أن تستهدف أنقرة منع قوات النظام من محاصرة المزيد من مراكز المراقبة التركية وتحقيق المزيد من التقدم.

 

بشكل عام، ستسعى تركيا جاهدة إلى زيادة زيادة تكلفة الهجمات التي يشنها النظام السوري، والضغط على روسيا للضغط على "الأسد" لإبطاء أو وقف هجماته بينما تتفاوض أطراف النزاع على الوضع النهائي للمحافظة.

 

لكن من خلال إرسال المزيد من القوات التركية إلى إدلب، قد لا تنجح أنقرة في إيقاف هجوم "الأسد"، وهذا يعني أن تركيا قد تجد نفسها متورطة في قتال مع القوات السورية والروسية أو الإيرانية.

 

أشارت تركيا إلى أنها ستصعد تصرفاتها إلى ما هو أكثر من مجرد رد انتقامي في محاولة لرفع المخاطر بالنسبة لروسيا، التي يعد دعمها الجوي واللوجستي ضروريا للنظام السوري لتحقيق تقدم كبير. لكن هذا الانتقام يمكن أن يودي بحياة المزيد من الجانبين؛ مما يخلق دورات أعمق من التصعيد والانتقام.

 

أزمة عسكرية

 

وقد يؤدي ذلك بدوره إلى إشعال أزمة عسكرية لن يكون فيها لروسيا وتركيا أي خيار سوى العودة إلى مفاوضات بالغة الخطورة وإصلاح -إن لم يكن التخلي الكامل- عملية أستانا التي تعتبرها تركيا بشكل متزايد غير ناجحة.

 

ومع ذلك فإن مثل هذه المفاوضات ستتمحور حول الخلافات الروسية التركية، وليس حل وضع إدلب.

 

وفيما يتعلق بالمفاوضات بين "هيئة تحرير الشام"، ودمشق فهناك انخفاض لمعدل نجاح هذه المفاوضات بسبب الالتزام الإيديولوجي لـ"هيئة تحرير الشام" بمواصلة القتال، ويوحي ذلك بأن هذه المحادثات ستفشل على الأرجح وأن "الأسد" سيستمر في اللجوء إلى القوة العسكرية لاستعادة السيطرة على إدلب.

 

نتيجة لذلك، سيكون أمام تركيا في النهاية خيار حاسم: إما تعميق مشاركتها في إدلب لإعطاء رأي أكبر في أي مفاوضات مستقبلية أو على الأرجح، إيجاد وسيلة أخرى لمنع أزمة لاجئين أخرى.

 

وتبدو تركيا مستعدة للمخاطرة بأزمة عسكرية مع روسيا لتجنب أزمة اللاجئين الأخرى في الداخل ومنع استراتيجيتها في سوريا من الانهيار.

 

وتراهن أنقرة على أن موسكو ليست لديها القدرة على مواجهة مثل هذه الأزمة.

 

ومع ذلك، هذا رهان يستند إلى حافة الهاوية مع وجود مجال واسع للأخطاء.

 

ومن شأن قتل أعداد كبيرة من القوات التركية أو الروسية أن يعجل بسهولة بتصعيد واسع، وفي هذه الحالة لن يتمكن أي من الطرفين من السيطرة على مدى انتشار الحريق.

مقالات متعلقة