لماذا جاءت ردود العرب «معتدلة» على صفقة القرن؟.. خبير إسرائيلي يجيب

نتنياهو وترامب

تساءل البروفيسور الإسرائيلي "رافي ساجيف" عن سبب ما وصفها بردود الفعل العربية "المعتدلة" حيال خطة السلام الأمريكية المزعومة المعروفة بـ "صفقة القرن"، رغم أنها تميل بشكل واضح لصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

 

جاء ذلك في تحليل نشره "ساجيف"، المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط في كلية الجليل الغربي الإسرائيلية، اليوم السبت، على موقع "يسرائيل ديفينس" المتخصص في التحليلات الأمنية والعسكرية.

 

إلى نص المقال..

وصل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى إحدى ذراه بعد الإعلان الدرامي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول مخطط "صفقة القرن".

 

هذه الخطة، ومثل جميع الخطط في الماضي، حظيت بمعالجات وانتقادات من قبل الأطراف المعنية؛ كل جانب من منظوره.

 

من الجانب الإسرائيلي، تحقق الخطة في الواقع معظم رغبات الجانب اليميني على الخريطة، حيث تمنح الإدارة الأمريكية صلاحية قانونية لتحقيق رغبة مفكري ومنفذي مشروع المستوطنات من خلال ضمها بشكل فوري إلى إسرائيل، علاوة على الموافقة على ضم غور الأردن.

 

ضمت حكومة اليمين في الماضي أراض، لكن لم يكن ذلك بموافقة الولايات المتحدة أو غيرها. في 1980 تم ضم القدس إلى دولة إسرائيل، وفي 1981 ضمت إسرائيل هضبة الجولان.

 

بلا شك لم يكن هناك في البيت الأبيض رئيس كان مستعدا للذهاب بعيدا مثل ترامب، وبصراحة، مع انتهاج سياسات مؤيدة لإسرائيل بشكل واضح. علاوة على أربع هدايا قيمة منحها لإسرائيل قبل صفقة القرن: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ما يضفي الشرعية على فكرة أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي هي أرض تم احتلالها من سوريا في حرب يونيو 1967، إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات شديدة على الاقتصاد الإيراني، ومؤخرا، اغتيال قاسم سليماني المهندس والمنفذ الرئيس للخطة الإيرانية الكبرى بتحويل الشرق الأوسط إلى شيعي- والتي تضمنت القضاء على إسرائيل بصفتها تشكل مصدر إزعاج.

 

منذ بدء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني اضطلعت الدول العربية وفي مقدمتها مصر بدور المدافع عن القضية الفلسطينية. ورأينا من خلال مجموعة من الأحداث التاريخية التي عشناها كيف ردت الدول العربية بحزم وحتى بعدوانية عندما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

 

وأيضا بعد توقيع معاهدات السلام مع مصر في 1997 ومع الأردن في 1994، كانت ردود تلك الدولين حادة جدا عندما شعرتا بأن هناك ما يمس الفلسطينيين، بما في ذلك عبر إعادة السفراء لـ"التشاور".

 

كانت هناك حتى فترات طويلة لم تعين خلالها الدولتان سفراء دائمين لهما في إسرائيل. إذن، لماذا كان رد الدول العربية على الخطة الأمريكية معتدلا إلى هذا الحد، ولماذا لم يسارعون إلى استخدام ثقلهم لصالح الفلسطينيين هذه المرة؟.

 

ترتبط الإجابة بشكل مباشر بالقضية الإيرانية. تعتبر الدول العربية السنية بما في ذلك السعودية ومصر والأردن ومعظم دول الخليج إيران أكثر تهديد لهم- لاسيما على البيت الملكي السعودي.

 

أصبحت إيران والسعودية عدوين لدودين، وذلك على خلفية الصراع المرير بينهما على السيطرة بالعالم الإسلامي. علاوة على ذلك تحدق إيران بالاحتياطات الهائلة للسعودية من النفط والغاز. المزج بين صراع السيطرة على الدين والمال معا يقودان لصراع قوي ووحشي.

 

كان لهذا الصراع وسوف يكون مستقبلا انعكاسات مباشرة على موقف الدول العربية تجاه خطة ترامب، ولم يكن من قبيل الصدفة أن حضر ثلاثة سفراء من دول الخليج- وغاب سفراء مصر والأردن والسعودية- حفل الإعلان (عن صفقة القرن في واشنطن 28 الشهر الماضي).

 

الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم، ويمكنها كبح إيران وبالتالي خدمة المصالح العربية بشكل مباشر.

 

مع ذلك، مازال لدى الدول العربية التزام عميق بالقضية الفلسطينية، على النحو الذي تجلى في الاجتماع الطاري بجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي انعقد في القاهرة في 1 فبراير 2020.

 

 رفضت الجامعة العربية مخطط ترامب بالإجماع، لكن لهجة المتحدثين في الاجتماع كانت معتدلة للغاية. إضافة إلى ذلك حذرت الجامعة إسرائيل من تنفيذ الخطة بشكل أحادي الجانب.

 

الفلسطينيون من جانبهم، ورغم الدعم الذي حصلوا عليه من اجتماع الجامعة العربية، يشعرون بأنهم تعرضوا للخيانة وباتوا معزولين ويائسين. يجب إدانتهم بالقول إنهم في الماضي رفضوا كل خطة تقريبا لتسوية الصراع، وهو ما يضيق المجال عن ذكره.

 

كذلك فلم يكن الجانب الإسرائيلي دائما متحمسا لدفع حل حقيقي للمشكلة. كان من الممكن أن يقود مخطط أوسلو في 1993، الطرفين إلى الإعلان عن إنهاء الصراع، لكنه لم يحظ بفرصة حقيقية، بعد ممارسة إرهاب فلسطيني غير مسبوق في قوته من قبل حماس، وقتل رابين من الجانب الإسرائيلي، وهكذا تحطم الأمل.

 

يقف الفلسطينيون الآن على حافة مفترق طرق لا يصدقون أنهم وصلوا إليه. منذ سيطرة حماس على غزة ظهر عمليا كيانان فلسطينيان، لا يعيشان مع بعضهما البعض في سلام على أقل تقدير، رغم محاولات المصالحة والتنسيق على مدى سنوات- وهو الأمر الذي يضر كثيرا بالقضية الفلسطينية.

 

رأى الفلسطينيون ويرون بخيبة أمل سياسات أمريكية أحادية الجانب تجاه إسرائيل. لقد أزالت خطة ترامب بشكل عملي من جدول الأعمال، وبشكل أحادي الجانب، قضيتين رئيسيتين في الصراع: مسألة القدس ومسألة اللاجئين. لن يتم تقسيم القدس وليس هناك ما يمكن الحديث عنه فيما يتعلق بعودة اللاجئين إلى الأراضي الإسرائيلية حتى بشكل رمزي. كذلك فإن مسألة الحدود جرى تحديدها تقريبا من جانب واحد، بما في ذلك ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، ولم يبق للفلسطينيين تقريباً أي مجال للمناورة.

 

الإحباط واليأس ليسا خطة عمل، لكن الفلسطينيين أثبتوا في الماضي أنهم كانوا على استعداد لمفاقمة الصراع وتصعيده، حتى إن لم يحققوا أي شيء. هل سيغيرون هذه المرة نهجهم؟ هل سينجحون في التغلب على الكراهية تجاه ترامب ويستغلون الفرصة لتحقيق أقصى استفادة من الوضع الحالي؟ لا يمكن معرفة ذلك.

 

هل ستعرف إسرائيل أن تتعامل مع خطة ترامب كنقطة بداية نحو مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى تسوية مرضية؟ ماذا سيكون مصير السيد نتنياهو، مهندس العلاقات مع ترامب بعد 2 مارس 2020 (موعد الانتخابات الإسرائيلية)؟ ماذا سيكون مصير والد صفقة القرن السيد ترامب بالنظر إلى الانتخابات الرئاسية العام المقبل؟.

 

في هذه المرحلة هناك الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات. في ظل غياب حل معقول، ومدروس وواقعي ومتفق عليه، فإن كلا الطرفين محكوم عليهما بالاستمرار في نزف الدماء- بغض النظر عن الحل الذي تقترحه أمريكا.

 

الخبر من المصدر..

مقالات متعلقة