من الطماطم إلى النار.. هل يستطيع أردوغان تحمل غضب بوتين مجددًا؟

تشير الأنباء الواردة من الحدود الروسية التركية إلى أن عشرات الشاحنات التركية المحملة بالطماطم التي تريد الدخول إلى الأراضي الروسية عادت لتصطف مجددا، بسبب منعها من الدخول بأريحية، رغم أنها تحمل بضائع سريعة التلف يقدر قيمتها بـ10 ملايين دولار.

 

يعيد هذا المشهد ما حدث بحذافيره إبان الأزمة العنيفة التي اندلعت بين موسكو وأنقرة، على خلفية إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية عام 2015، بدعوى انتهاكها المجال الجوي التركي من الأراضي السورية، لكن الروس أكدوا أن ذلك لم يحدث، وكادت الأمور لتتطور إلى منحنى خطير، قبل أن يتم لملمة الأزمة.

 

وبعد إسقاط المقاتلة الروسية، فرضت موسكو عقوبات على تركيا وفرضت حظراً على الواردات الزراعية التركية، ومع استئناف العلاقات بين البلدين ببطء، رفعت روسيا القيود المفروضة على واردات الأغذية التركية، لكن حظر الطماطم ظل ساري المفعول، مذكرا الأتراك بأنه لم يتم التسامح والنسيان تماما.

 

في النهاية، رفعت روسيا الحظر المفروض على الطماطم أيضًا، ولكن مع تصاعد التوترات بين موسكو وأنقرة في الأسابيع القليلة الماضية بسبب سوريا، اندلعت "أزمة الطماطم" مرة أخرى، ويتوقع أن تندلع أزمات أخرى، بعد بدء تركيا هجومها العسكري في إدلب، الخميس.

 

ويتوقع المنتجون في مدينة أنطاليا بجنوب تركيا، والذين يبيعون 80% من طماطمهم إلى روسيا، أن تحل الحكومة هذا الصدع.

 

موقف صعب

 

وبشكل عام، فإن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي طور علاقة وثيقة مع نظيره الروسي، "فلاديمير بوتين"، في موقف صعب.

 

النقطة البارزة في التوترات المتزايدة هي إدلب، وأغضب تدخل قوات النظام إلى المحافظة خلال الأشهر القليلة الماضية تركيا.

 

وفي اتفاق أبرم عام 2018 في سوتشي، وافقت تركيا وروسيا على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وتعهدت تركيا بضمان انسحاب العناصر المتطرفة من المنطقة، لكن لا روسيا ولا تركيا سعداء بما حدث منذ ذلك الحين.

 

يشكو الجانب التركي من أن النظام، المدعوم من روسيا، قد انتهك باستمرار وقف إطلاق النار وشرع مؤخرًا في عملية كاملة للاستيلاء على آخر معقل رئيسي للمعارضة في البلاد.

 

من جانبهم، يشكو الروس من أن الجماعات المتطرفة سيطرت على إدلب منذ الاتفاق وتتهم تركيا بالفشل في الوفاء بوعودها.

 

توتر متصاعد

 

تصاعد التوتر على إدلب بشكل كبير في الأيام الأخيرة، في مواجهة عسكرية نادرة مباشرة بين قوات النظام السوري وتركيا، قتل 14 جنديًا تركيًا وأكثر من 100 من قوات النظام في اشتباكين منفصلين خلال الأيام العشرة الماضية.

 

منذ ذلك الحين، رفعت تركيا من انتقاداتها لروسيا، حيث يتهم "أردوغان" موسكو، بالوقوف إلى جانب نظام "الأسد"، بقتل المدنيين، وتعهد بضرب قوات النظام عن طريق الجو أو الأرض في أي مكان في سوريا إذا هاجموا القوات التركية مرة أخرى.

 

وتضغط أنقرة أيضًا على روسيا لاستخدام نفوذها على النظام لضمان سحب قواته إلى خط وقف إطلاق النار المتفق عليه مسبقًا، وإخلاء الطريق السريع الاستراتيجي M5 الذي يربط جنوب وشمال سوريا.

 

تسيطر روسيا على الجو في سوريا، ما يجعل الغارات الجوية التركية ضد أهداف النظام محفوفة بالمخاطر، وفي غياب الغطاء الجوي، فإن المصادمات المتصاعدة مع قوات النظام ستجعل القوات التركية في إدلب أكثر عرضة للخطر مما هي عليه بالفعل.

 

العديد من مراكز المراقبة التركية في المحافظة تحت الحصار من قبل قوات النظام، ومن المؤكد أن روسيا ستقدم المساعدة للنظام في حالة شن هجوم تركي، ما يزيد من المخاطر بالنسبة لأنقرة.

 

موقف روسيا

 

من المرجح أن تفشل جهود تركيا لسحب روسيا إلى جانبها ضد هجوم النظام على إدلب، ومن غير المرجح أن تجبر روسيا النظام على الانسحاب من الأراضي التي سيطر عليها بالفعل، وإذا تجاوزت تركيا الخط، فإن لدى روسيا الكثير من الأوراق التي يمكن أن تلعب بها، والطماطم هي مجرد البداية.

 

كل هذه العوامل تقيد يد "أردوغان" في إدلب، لكن المخاطر كبيرة بالنسبة للرئيس التركي، حيث أثار القتال في إدلب أكبر نزوح جماعي للمدنيين في الحرب حتى الآن، تاركًا 700 ألف شخص في مخيمات على الحدود التركية.

 

ولا يمكن لـ"أردوغان" أن يتحمل تدفقًا كبيرًا آخر من اللاجئين إلى تركيا بالنظر إلى رد الفعل القومي المتزايد ضد ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري موجودين بالفعل هناك.

 

ومما يجعل الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة لـ"أردوغان" هو الضغط المتصاعد من حلفائه داخل البلاد، حيث قام "دولت بهتشلي"، زعيم حزب الحركة القومية وحليف "أردوغان" منذ زمن طويل، بزيادة الرهان، قائلاً: "لن يكون هناك سلام في تركيا حتى يتم إسقاط الأسد من عرشه، يجب على تركيا البدء في خطط لدخول دمشق الآن".

 

وحث "بهتشلي" الحكومة على إعادة النظر في علاقاتها المتنامية مع روسيا، في هذه الأثناء، اتخذ "دوغو برينجك"، زعيم حزب "الوطن" وحليف "أردوغان" أيضا، موقفا آخر حيث دافع عن النهج المعاكس، داعياً الحكومة إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

 

ويعتبر "أردوغان" في وضع لا يحسد عليه، لقد أدت تهديداته الأخيرة ضد النظام إلى رفع المخاطر، وإذا كان سينفذ ما قاله، فقد يواجه غضب روسيا، وإذا لم يكن كذلك، فسوف يعاني مع "بهتشلي" بدلاً من ذلك.

 

في هذه الأثناء، فإن الجنود الأتراك في إدلب أكثر عرضة للهجمات التي يشنها النظام، ويقيم مئات الآلاف في مخيمات على الحدود التركية في ظروف قاسية، ويرجو منتجو الطماطم في أنطاليا أن ينتهي هذا كله بسرعة.

مقالات متعلقة