أردوغان صاحب الأزمات مع الجميع.. هل سيدفع ضريبة إغضاب بوتين؟

بوتين - أردوغان

تركيا تفتقر إلى خيارات حقيقية لوقف القتال في إدلب، وسوف يقاتل "أردوغان" في إدلب فقط إلى الحد الذي يتحمله "بوتين".

 

هكذا بات يرى محللون موقف أنقرة حاليا التي باتت متورطة بشكل غير مناسب في المستنقع السوري، وهذه المرة مع أوثق حليف لها، خلال السنوات القليلة الماضية.. روسيا.

 

يشير كل ما يحدث، إلى أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بات يفتعل الأزمات والمشكلات مع معظم الأطراف الفاعلة المتحالفة أو المتخاصمة معه، فكيف سيمضي "أردوغان" في طريقه بعد كل ما يحدث؟

 

بدايات سياسة أردوغان

 

لنعد 17 سنة إلى الوراء، وبالتحديد عام 2003، بعد فترة وجيزة من تولي "رجب طيب أردوغان" منصب رئيس وزراء تركيا، حينها خرج وزير الشؤون الخارجية لديه "أحمد داود أوغلو"، مؤكدا أن تركيا ستشرع في "سياسة صفر مشاكل" أو اللاخلاف مع جيرانها، وجاءت تصريحاته هذه بعد أن ظلت تركيا تسعى خلف عضوية الاتحاد الأوروبي لسنوات دون جدوى.

 

حتى قبل أن يصل حزب "العدالة والتنمية" الذي ينتمي إليه "أردوغان" إلى السلطة، أدرك رؤساء الوزراء الأتراك في التسعينيات من القرن الماضي أن تركيا ليست لديها فرصة لأن تصبح جزءًا من المجموعة الأوروبية.

 

في عام 1997، أسس رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب الرفاه الإسلامي "نجم الدين أربكان" منظمة التعاون الاقتصادي، التي تضم 8 دول إسلامية، بعد يأسه على ما يبدو في عضوية الاتحاد الأوروبي.

 

وحتى رؤساء الوزراء العلمانيون مثل "مسعود يلماز" و"تانسو تشيلر" تخلوا عن الأمل في الانضمام إلى الكتلة الأوروبية، ويبدو أن شكوكهم كانت قائمة على أسس جيدة.

 

ففي عام 2002، قال الرئيس الفرنسي السابق "فاليري جيسكار ديستان" إن العديد من السياسيين الأوروبيين اعتقدوا سراً أن "تركيا يجب ألا يُسمح لها أبدًا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

 

تحولات الربيع العربي

 

اختار القادة الأتراك بدلاً من ذلك مواصلة علاقات أقوى مع جيران تركيا في الشرق الأوسط؛ ففي عام 2009، قال "بشار الأسد" إنه يعتبر تركيا أفضل صديق لسوريا؛ ورد "أردوغان" بأنه يعتبر "الأسد" كأخ، وفي عام 2010، قدم الزعيم الليبي "معمر القذافي" جائزته الدولية لحقوق الإنسان إلى "أردوغان".

 

ولكن، كما يقول "هلال خاشان"، رئيس قسم الدراسات السياسية بجامعة بيروت والباحث في شؤون الشرق الأوسط، بعد الانتفاضات العربية عام 2011، اعتقد "أردوغان" أن لحظة تركيا قد حانت مع صعود الإسلاميين، وخاصة "الإخوان المسلمين"  في مصر وتونس وسوريا. لقد اعتقد أن بلاده تسير على طريق النجاح الاقتصادي في الشرق الأوسط، وعندما لم تسر الأمور كما خُطط لها، رفض "أردوغان" تعديل سياسته في المنطقة.

 

تحول الأصدقاء السابقون إلى خصوم، باستثناء بضعة استثناءات مثل قطر المحاصرة وحكومة الوفاق الوطني الليبية المحاصرة في طرابلس.

 

ولكن ربما كان التحدي الأكبر لخطة تركيا لتعزيز موقعها في الشرق الأوسط يأتي من روسيا؛ الشريك الاقتصادي الرئيسي لتركيا.

 

أزمة سوريا

 

يدعم البلدان طرفان متعارضان في النزاعات في سوريا وليبيا، رغم أن مشاركتهما في هذه الصراعات كانت مدفوعة بأهداف مختلفة للغاية.

 

سياسة روسيا تجاه ليبيا عملية ومدفوعة بالمصالح الاقتصادية، فبعد انهيار نظام "القذافي" عام 2011، خسرت روسيا عقودًا بقيمة 10 مليارات دولار.

 

في سوريا، لا تتوافق المصالح الوطنية الحيوية لتركيا مع روسيا أو الولايات المتحدة، والقضية العالقة بين الولايات المتحدة وتركيا تتعلق بمصير الأكراد السوريين.

 

في أكتوبر 2019، حذر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" "أردوغان" من القسوة على الأكراد، وفي رسالة موجهة إلى "أردوغان"، قال "ترامب" إنه "لا يريد أن يكون مسؤولاً عن تدمير الاقتصاد التركي" إذا رفضت تركيا حماية الأكراد خلال هجومها شمال سوريا.

 

يتفهم "أردوغان" الجغرافيا السياسية ويعرف أنه لا يستطيع أن يمضي بعيداً في تحدي السياسة الإقليمية للولايات المتحدة دون المساس بالمصالح الوطنية لتركيا، التي تهددها الروابط العابرة للحدود بين الأكراد في تركيا وسوريا.

 

ويبدو أن الولايات المتحدة تقبلت وجهة نظر تركيا بشأن هذه القضية الحساسة.

 

وبالمثل، يتفهم "أردوغان" تاريخ تركيا مع روسيا ما يجعله متحفظا بشأن التصعيد العسكري، ففي نهاية المطاف، أدى تراجع الإمبراطورية العثمانية في البلقان وشمال أفريقيا إلى انتصار الإمبراطورية الروسية في معركة "ستافوشاني" عام 1739 و الحروب الروسية التركية اللاحقة في القرن التاسع عشر.

 

وفي عام 1853، سمى القيصر الروسي "نيكولاس الأول" الإمبراطورية العثمانية "رجل أوروبا المريض".

لا يريد "أردوغان" مواجهة عسكرية مع روسيا أو النظام السوري المدعوم من روسيا وإنما يريد صفقة سياسية مع روسيا، رغم أنه لا يثق في "بوتين".

 

بدائل أردوغان

 

تورط تركيا في سوريا لا يُقابل بشعبية في الداخل، حتى داخل حزب "العدالة والتنمية" نفسه، يعرف "أردوغان" أيضًا أن روسيا لا تريد أن تتورط في حرب أخرى مطولة، كما فعلت في أفغانستان خلال الثمانينيات، وهذا هو السبب في أن مشاركة موسكو في الصراع السوري اقتصرت على توفير الدعم الجوي لنظام "الأسد".

 

يدرك "أردوغان" أنه يتعين عليه القيام بتسوية لإقامة منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود لاستيعاب اللاجئين الفارين من إدلب، وأنه ليس مستعدًا لتهديد المصالح التركية في أماكن أخرى من أجل النصر في شمال سوريا.

 

وفيما لا يتوقف الرخاء الاقتصادي لتركيا على الاستيلاء على إدلب، إلا إنه يعتمد على التعاون مع روسيا.

 

يزور تركيا كل عام أكثر من 7 ملايين سائح روسي، ويعتمد برنامج الطاقة النووية في تركيا اعتمادًا كبيرًا على الخبرة والدعم الفنيين الروسيين، كما أن خط أنابيب الغاز الطبيعي "تورك ستريم"، الذي يمتد من روسيا إلى تركيا، أمر حيوي للتنمية الاقتصادية في البلاد.

 

لن يسمح "أردوغان" لغضبه من انتهاك روسيا لاتفاقات سوتشي وأستانة - المتعلقة بخفض التصعيد في إدلب - بعرقلة رؤيته لتركيا، ولا يمكن القضاء على المكاسب الإقليمية للنظام السوري بعد هجومه في إدلب الذي بدأ في أبريل 2019 واستؤنف في ديسمبر.

 

لا يزال بإمكان الجيش التركي السيطرة على المنطقة الحدودية، مما يسمح العرب السوريين بتشكيل منطقة عازلة بينهم وبين الأكراد، و"الأسد" مستعد لتقبل مثل هذه الخطوة لأن سكان إدلب ليسوا محوريين في نموذجه لسوريا ما بعد الصراع.

مقالات متعلقة