جلست فتاة عشرينية مرتدية كمامة على مكتب صغير في ممر خارج أجنحة المرضى، ممسكًة بورقة تقرأ منها ما اعدته للمرضى من فقرات لبرامج متنوعة تشمل حالة الطقس والأخبار فضلًا عن قرائتها للخواطر والأشعار.
فمع دقات لثامنة من صباح كل يوم يسلك صوت هوا يوتشن، طريقه إلى مسامع مرضى فيروس كورونا القابعين داخل المستشفى المؤقت في منطقة تشينغشان بمدينة ووهان.
مصابون يتوافدون وآخرون يخرجون إما بعد اتمام شفائهم أو لمثواهم الآخير.. أطباء تكسو الملابس الواقية اجسادهم وروؤسهم، ورغم ذلك لم يسلم البعض منهم من الفيروس القاتل..فرائحة الموت تحلق في المكان.
وسط تلك الأجواء ورغم التزام قاطنوا "ووهان" التي وصفها البعض بأنها اضحت اشبه بـ "مدينة أشباح" منازلهم، اتخذت الفتاة العشرينية قرارًا مصيريًا مُعلنة عن تطوعها للعمل براديو مستشفى ووهان المؤقت المخصص لاستقبال ضحايا "كورونا" كي تنقل بصوتها من وراء كمامة ترتديها وعبر اثير الميكروفون
البرامج والأخبار لمرضي ووهان.
قصة "هوا" التي تطل بصوتها كل صباح من مستشفى ووهان تلك المدينة التي بات يعرفها العالم بآثره كونها بؤرة تفشي فيروس كورونا القاتل الذي حصد أرواح الآلاف وأصاب أكثر من 77 ألفًا آخرين.
الشابة العشرينية هي في الأصل معلمة موسيقى، بدأت قصتها بعد تفشي وباء كورونا في مسقط رأسها "ووهان"، حينما وقع نظرها على إعلانات عبر الفضاء الالكتروني تبحث عن متطوعين للمساعدة في الوقاية من الأوبئة ومكافحتها، لم تتردد كثيرًا وسرعان ما تقدمت بطلب للالتحاق بتلك المهمة دون علم والديها، بحسب الشبكة CGTN التي سردت تفاصيل قصتها.
فكانت المهمة الأول التي قامت بها قبل التطوع في راديو المستشفى المؤقت، هي تسخير سيارتها لنقل الأطباء وفريق التمريض لأماكن عملهم، وكانت وسيلة الأمان الوحيدة التي لجأت لها "هوا" هي كمامة ترتديها كي تحجب عنها الفيروس القاتل بعض الشئ.
"لقد كان الموظفون في السلك الطبي يخافون أن يقلقني الركوب معي، فمجرد صعودهم إلى السيارة يحاولون الصاق اجسامهم بالأبواب حفاظًا على مسافة معينة معي قدر الإمكان"؛ بتلك العبارات لخصت الفتاة العشرينية المشهد أثناء استضافتها فريق التمريض والأطباء داخل سيارتها الخاصة.
وتابعت قائلة: "إن ذلك جعلني أحس بشعور رهيب، فهم كانوا في طريقهم إلى الخطوط الأمامية في مواجهة كورونا، ولكن ذلك لم يمنعهم في التفكير بي".
مع الوقت تزايد عدد المتطوعين فيما يتعلق بنقل الأطباء للمستشفيات، ففكرت الفتاة في مهمة أخرى تقوم بها وبالفعل حملت على عاتقها مهمة الوقوف على إحدى الجسور بووهان من أجل قياس الحرارة للمارة، كما كانت تقوم بنقل صناديق الحليب وغيرها من الأعمال التطوعية التي لم تدخر جهدًا للقيام بها.
والدي "هوا" اللذان لم تخبرهما شيئًا عما تقوم به، بدأت الشكوك تساورهما، نظرًا لعدم انتظام أوقات عودة نجلتهما التي تعمل معملة موسيقى في المدرسة، فتقول الفتاة: "لقد كذبت على والدي في البداية وقلت أنني ذاهبة إلى العمل، ثم لاحظت أمي أنني كنت دائمًا استحم فور وصولي إلى المنزل، ثم امكث في غرفتي واغلق الباب على نفسي"، في محاولة من "هوا" لحماية اسرتها.
دائمًا ما كانت تشعر الفتاة العشرينية بذنب وتأنيب ضمير بمجرد أن تطأ قدميها المنزل، كونها تساعد الآخرين في الخارج ثم تعود معرضة اسرتها لخطر احتمالية الاصابة بالفيروس القاتل.
لم تتحمل الفتاة فكرة اخفاء الأمر حول أعمالها التطوعية أكثر من ذلك على أسرتها فاتخذت قرارًا بإخبارهم، كي يتخذوا التدابير الوقائية الكافية، فتقول "هوا": "اصيبت والدتي بصدمة عندما علمت أني اتطوع واقدم خدمات لمكافحة تفشي كورونا، فمازالت اتذكر عينيها"، في حين قال الأب بمجرد علمه بما تفعله فتاته:"دعيني أذهب بدلًا منك"، إلا أنها بادلته الرد:"إنني اصغر سنًا وصحتى افضل فالأمر يعد أكثر خطورة لهؤلاء الكبار في السن".
أما قصتها مع التطوع في راديو مستشفى ووهان المؤقت فبدأت في 14 فبراير الجاري، ولكنها تلك المرة لم تخبر والديها على الإطلاق، كونها تعلم أن تواجدها بهذا المكان غاية في الخطورة.
فمطلع فبراير الجاري؛ بعد تحويل الحكومة صالات الألعاب الرياضية ومراكز المعارض لمستشفيات، تلقت "هوا" مكالمة هاتفية مفادها أن إدارة التعليم في مدينتها تبحث عن متطوع للعمل في قلب المستشفيات المؤقتة، ورغم عزوف الكثير من المتطوعين عن المخاطرة ، لم تتردد "هوا" وأبدت موافقتها.
باتت الفتاة تتوجه للمستشفى ومع دقات الساعة الثامنة صباحًا، تجلس الفتاة العشرينية مرتدية كمامتها، وتبدأ في بث برامج متنوعة اعدتها سلفًا للمرضى عبر اثير الميكروفون، فتقول: "الجزء المفضل في عملي هو قراءة رسائل المرضى الذين تعافوا ومن هم على وشك الخروج من المستشفى".
"الوداع أمر صعب، لكننا متحمسون لهذا الوداع، نشكركم على تعاونكم في معركتنا ضد الوباء، نتمنى لكم وعائلتكم الصحة والسعادة.."، كان هذا جانبًا من رسائل بعض المرضى المتعافين التي بثتها "هوا" على مسامع المصابون القابعين على اسرتهم، فتقول "هوا": عندما وصلت لنهاية الرسالة شعرت بسعادة بالغة، كوني علمت أن المزيد من المصابون سوف يغادرون المستشفى".