عندما يؤرخ التاريخ يومًا لتطورات مصر الهادئة والعاصفة، سيذكر التاريخ حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك الذي أنهى حكمَه زلزال شعبي في 2011، إذ رحل تاركًا منصبه رئيسًا، لكنّه آثر ألا يغادر وطنه حتى يوارى الثرى بين ترابها.
مبارك الذي عرفته مصر رئيسًا لـ30 عامًا، ومن قبلها أحد أبطال حرب أكتوبر التي استعادت العزة والكرامة في سبعينيات القرن الماضي، ها هو يُحقق أمنيته الأخيرة من مصر، عندما تمسّك بالبقاء بها على الرغم من النفور الشعبي من نظامه قبل تسع سنوات، عندما اندلعت ثورةٌ شعبيةٌ أزاحته من منصبه بعد أعوام قاسية على ملايين المصريين سياسيًّا واقتصاديًّا وبالأخص أمنيًّا، يُقال إنّها تفاقمت في العشر سنوات الأخيرة من حقبة حكم أطول من عرفته مصر رئيسًا منذ إعلان الجمهورية قبل 86 عامًا.
"سأموت وأدفن على تراب مصر".. المقولة الشهيرة للرئيس الأسبق حسني مبارك التي قالها قبل تسع سنوات عند تنحيه عن الحكم إثر ثورة 25 يناير، ستصبح واقعًا بعد ساعات معدودة، عندما يواري جثمانه الثرى على أرض مصر، تحقيقًا وتنفيذًا لرغبته.
مبارك خرجت عليه جماهير الشعب في ثورة عارمة، لم يجد بدًا أمامها سوى التنحي عن الحكم في 11 فبراير 2011، لكنّه أبى أن يفر من البلاد كما فعل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، الذي هرب من بلاده خوفا من مصيره بعد الثورة التونسية، التي كانت بمثابة الشرارة لاندلاع ثورات الربيع العربي.
قبل أيام من التنحي، خرج مبارك في خطاب أثار تعاطفًا الكثيرين، حتى من بين من شاركوا في الثورة، أولئك الذين كانت عقولهم - بتحريكٍ من قلوبهم - بدأت تتجه نحو الموافقة على استمراره رئيسًا حتى نهاية مدته، إلى أنّ جاءت
موقعة الجمل التي أشعلت فتيل الثورة من جديد، فتشبث الثوار بالميدان حتى يسقط حكم مبارك ومحاكمته.
وحين سُئل في لقاء مع شبكة abc الأمريكية، عما ينتوي فعله، فقال: "لست جبانا لأهرب من ارض مصر ، انا جندي وفي ، وسأموت وأدفن على تراب مصر".
مرت السنوات وقد قضى مبارك ما قضى من سنوات في السجن حتى برأه القضاء في قضايا قتل المتظاهرين وتهم أخرى، وبعدما خرج من السجن ظل ينتقل ما بين منزله إلى المستشفى بسبب تدهور حالته الصحية، حتى وافته المنية، اليوم الثلاثاء، عن عمر يناهز 92 عاما بعد أيام قليلة من الذكرى التاسعة على تنحيه عن الحكم.
بعد 9 سنوات جاء اليوم الذي ستتحقق فيه رغبة مبارك، وسُيدفن تحت تراب مصر، فها هي مقابر العائلة في مصر الجديدة، تستعد لاستقبال جثمان مبارك.
وحتى عام 2009 لم يكن يمتلك حسني مبارك مقابر، فبعد وفاة حفيده ابن نجله الأكبر علاء، والذي دُفن بمقابر عائلة سوزان مبارك، قرر الرئيس الأسبق بناء مقابر خاصة بأفراد عائلته، وبناها من الحجر الرملي الأحمر على مساحة تقترب من 1500 متر بتكلفة 10 مليون جنيه، وفقا لما جاء في تقارير صحفية.
تضم مقابر عائلة مبارك، التي تقع على امتداد شارع عباس العقاد وبالقرب من كلية البنات، في أحد مداخلها صالة لتقبل العزاء، واستراحات، وساحة لانتظار السيارات، ولها مدخلان بأبواب حديدية، وقد صُممت على على نظام مقبرتين لأفراد العائلة، وكل مقبرة عبارة عن غرفة بها لحد دفن الموتى، وساحة لاستقبال الزوار.
على مداخل مقابر عائلة مبارك المحاطة بسور شاهق، وتعلوه كشافات إضاءة كبيرة، زهور من الياسمين والصبار وأشجار النرجس ونباتات زينة، ولكل مقبرة بوابة حديدية ضخمة عليها زجاج عاكس للرؤية، ما يجعلها مميزة عن المقابر الموجودة بمحيطها.
والمقبرة محاطة بسور شاهق، تعلوه كشافات إضاءة كبيرة، وبنيت الأسوار والمداخل الخارجية من الطوب الوردي وكل مقبرة لها بوابة حديدية ضخمة عليها زجاج عاكس للرؤية، وأمامها أشجار ونباتات زينة، كما ظهر في لقطات حية بثتها قناة العربية.
ومن المقرر تشييع جثمان مبارك في جنازة عسكرية، من مسجد المشير طنطاوي بالتجمع الخامس، وبعدها سيوارى الثرى في مقبرة العائلة في منطقة مصر الجديدة.