اعتمادا على طريقة إدارة إيران لتدفق المعلومات والتعامل مع الأمر برمته، يمكن أن يؤدي تفشي فيروس "كورونا" الجديد هناك إلى الإضرار بالصداقة الهشة مع الدول الأجنبية، أو تحسينها إذا أجبر المرض طهران على التواصل مع العالم الأوسع للحصول على مزيد من المساعدة.
عند الحديث عن تفشي "كورونا" في إيران يختلط السياسي بالاجتماعي بالصحي بشكل كبير، نظرا لكون تلك الدولة محور أبرز التوترات في المنطقة.
وبرزت إيران كمركز إقليمي لتفشي فيروس "كورونا" بعد تسجيل عدة حالات في الشرق الأوسط بسبب دخول مسافرين قادمين من إيران، في الوقت الذي تتضخم فيه المخاوف من حدوث جائحة عالمية.
سيكون احتواء الفيروس داخل إيران تحديًا بسبب ضعف البنية التحتية الصحية في إيران وعدم الاستعداد التقليدي للاتصال بحرية وانفتاح بين جميع فروع الحكومة والمؤسسات الصحية.
كما أن العقوبات المالية الشديدة والقيود العالمية المفروضة على سفر أخصائيي الصحة تزيد من تحديات البنية التحتية الضعيفة لإيران.
يوجد في إيران أطباء مدربون تدريباً جيداً، لكن مستشفياتها ومرافقها الصحية في جميع أنحاء البلاد غير مجهزة بشكل جيد، وهي تكافح بالفعل لتوفير الرعاية الصحية الأساسية للمجتمعات الريفية.
حجب المعلومات
يتمثل التحدي الرئيسي الآخر لإيران في الوصول إلى المعلومات الصحيحة ونقلها إلى الجماهير داخليا وخارجيا.
وحسب المعلومات المتاحة من وزارة الصحة الإيرانية، فإن عدد الحالات في البلاد بلغ 95 حالة، حتى 25 فبراير الجاري، معظمها في قم مركز العدوى.
ومع الإبلاغ عن 17 حالة وفاة على مستوى البلاد، فإن إيران لديها الآن أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن "كورونا" خارج الصين، مما يؤكد الطبيعة الخطيرة للمرحلة الحالية.
بطبيعة الحال، فإن الأرقام المبلغ عنها تثير سؤالًا مشروعًا حول ما إذا كان عدد القتلى والإصابات بالعدوى أعلى في الحقيقة.
فقدرة إيران على الوصول إلى تقارير صحية دقيقة من جميع أنحاء البلاد محدودة بسبب ضعف البنية التحتية، كما أن قدرتها على اختبار العدوى وإجراء مسح للبحث عنها بدقة هي أيضاً موضع تساؤل بسبب الافتقار لإمكانية الوصول إلى المعدات المناسبة.
لهذا، ستشكل احتفالات الربيع القادمة لعطلة عيد "النيروز" في إيران خطرًا يهدد بانتشار فيروس "كورونا" إذا استمرت العدوى.
ويحمل انتشار "كورونا" تداعيات مهمة على إيران محلياً ستتمثل في مزيد من تدهور الثقة في الحكومة.
أزمة ثقة
يواجه الإيرانيون بالفعل مشاكل في الوثوق بحكومتهم - بالنظر إلى ما حدث عند إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير الماضي - وستقلل مخاوف حدوث وباء محتمل من قدرة الحكومة على تنظيم تدفق المعلومات والسيطرة في نهاية المطاف على الفيروس نفسه.
وفي 24 فبراير الجاري، انتقد عضو في البرلمان الإيراني وسائل الإعلام الإيرانية لنشرها تقريرا مفاده أن هناك بالفعل 50 حالة وفاة بسبب الفيروس.
وبالرغم أن وزارة الصحة دحضت هذا التقرير بسرعة، إلا أن الأرقام الدقيقة لا تزال غير واضحة، ومن المرجح أن تتغير مع توفر المزيد من المعلومات.
هناك جانب إيجابي سياسي صغير لتوقيت تفشي المرض، وهي أنه وفّر مبررًا مناسبًا لتدني الإقبال في الانتخابات البرلمانية التي أجريت، الأسبوع الماضي.
وبغض النظر عن تقارير وسائل الإعلام الموالية للحكومة والتي تشير إلى أن المخاوف من انتشار "كورونا" تفسر انخفاض إقبال الناخبين الأسبوع الماضي، فهناك العديد من الأسباب التي تجعل الإيرانيين يفتقرون إلى الحماس للإدلاء بأصواتهم لصالح حكومة أخرى يجد الكثيرون منهم مشاكل في الثقة بها.
آثار إقليمية
مع تزايد المخاوف العالمية من انتشار الوباء، من المرجح أن يواصل جيران إيران إغلاق المعابر الحدودية والحد من السفر والتجارة على المدى القريب للتخفيف من انتشار الفيروس.
أغلقت أرمينيا وأفغانستان وتركيا وباكستان والعراق وإقليم كردستان حدودهم مع إيران، في حين قلصت الكويت وعُمان والإمارات من السفر إلى إيران بعد تأكيد حالات "كورونا" المرتبطة بالسفر من وإلى إيران.
أكدت البحرين ولبنان أيضًا حالات "كورونا" المرتبطة بالسفر من وإلى إيران، لكنهما لم يقوما حتى الآن بإغلاق حدودهما أو تقييد السفر، على الرغم من تزايد الضغوط الداخلية للقيام بذلك.
وبسبب العقوبات والطبيعة الفريدة لما تسميه إيران "اقتصاد المقاومة"؛ فإن طهران ليست مندمجة مع العالم تجاريا كما تريد، بالرغم أنها مرتبطة بالمجتمع العالمي وخاصة المنطقة المحيطة بها فيما يتعلق بصلات السفر.
وقد اعتمدت إيران على روابط التجارة والسفر لمساعدتها في التغلب على الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأمريكية.
النمو الاقتصادي في إيران بطيئ بالفعل، وإذا تم قطع روابط التجارة والنقل مع شركاء تجاريين مثل الصين والعراق وتركيا والكويت -وكلها قلصت مؤقتًا أو قطعت السفر مع إيران أو أغلقت حدودها- فسيكون لذلك تأثير مباشر على إيرادات القطاع غير النفطي الإيراني.
وفي الواقع، فإن أي تقييد تجاري، خاصة مع الصين، سيكون له تأثير أكبر على إيران منه على شركائها التجاريين بسبب اعتماد إيران على عدد محدود من الروابط التجارية بسبب العقوبات.
بينما تسارع الدول لوقف روابط السفر والتجارة مع إيران للحد من انتشار فيروس "كورونا"، فإن المفارقة بالنسبة لإيران هي أن ذلك يحدث في وقت تسعى فيه طهران لمحاربة الجهود الأمريكية لعزل اقتصاد إيران عن بقية العالم عبر العقوبات.
تدل أوروبي
من المحتمل أن نرى جهدًا من الاتحاد الأوروبي لمساعدة إيران في الوصول إلى المساعدة المادية التي تحتاجها، حيث يأتي تفشي "كورونا" في وقت يحاول فيه عدد من دول الاتحاد الأوروبي بالفعل إيجاد طريقة لمساعدة إيران على الوصول إلى السلع التي تحتاج إليها دون فرض عقوبات أمريكية.
وبناءً على مدى انتشار العدوى في إيران، سيتشجع الاتحاد الأوروبي على مد يد العون عبر إمدادات السلع الأساسية أو التمويل، على الرغم من العقوبات الأمريكية.
ولكن بالنظر للأحداث السابقة، فهناك شكوك عميقة حول استعداد إيران وقدرتها على قبول مساعدة المجتمع الدولي والتعاون معه لاحتواء انتشار "كورونا".
وإذا تبادلت إيران المعلومات حول تفشي "كورونا" وتعاونت مع العالم الخارجي، فهناك فرصة ضئيلة في أن يؤدي ذلك إلى بعض التساهل من الولايات المتحدة فيما يتعلق ببعض القيود المالية، حتى مع قطع شركاء إيران التجاريين الإقليميين وجيرانها مؤقتًا صلاتهم للحد من انتشار العدوى.
وبالفعل ظهرت بادرة لهذا التساهل، حينما أعلنت واشنطن، اليوم الخميس 27 فبراير، منح رخصة تسمح بتنفيذ معاملات تجارية بعينها مع البنك المركزي الإيراني، الخاضع للعقوبات، في خطوة قالت إنها تتسق مع قناة مساعدات إنسانية سويسرية، بسبب تفشي فيروس "كورونا" الجديد في إيران.