طاف فيروس "كورونا"، المعروف باسم "كوفيد-19" جميع دول العالم، تقريبا، وهو أمر منطقي في عصر العولمة المفرطة، لكن هناك مناطق بعينها لها خصوصية قد تجعل وجودها في الخطر أكثر من غيرها.
إحدى هذه المناطق هي منطقة الخليج، ففي ظل وقوع دول مجلس التعاون الخليجي الست بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، فإن هذا يجعلها عرضة بشكل خاص لتفشي الفيروس بسبب الترابط بين هذه الدول والعالم بأسره (وخاصة الصين وإيران)، من خلال قطاعات الطيران والطاقة والخدمات اللوجستية والتجارة والسياحة.
لا بد من الاعتراف بأن دول الخليج العربي أثبتت قدرتها على التصرف بشكل حاسم من أجل احتواء انتشار الفيروس إلى أقصى حد ممكن.
ويبدو أن مبادرات التثقيف، إلى جانب التدابير الاحترازية مثل إلغاء الفعاليات العامة، وفحص المطارات، وإغلاق الجامعات، وحجر الآلاف، قد مكنت دول الخليج العربي من إبقاء هذا الوباء تحت السيطرة داخل حدودها، على الأقل في الوقت الحالي.
إيران الموبوءة
الوضع في إيران المجاورة أسوأ بكثير، فحتى كتابة هذا التقرير، تسبب فيروس "كورونا" في 724 حالة وفاة في إيران، حيث تقول السلطات إن المرض أصاب ما يقرب من 14 ألف شخص.
من بين الوفيات والمصابين، نائب سابق لقائد فيلق الحرس الثوري وبرلمانيين ونائب وزير الصحة ونائب الرئيس ومستشار المرشد الأعلى للبلاد.
توقف السفر الداخلي في جميع أنحاء إيران بشكل كبير، ولا يوجد زبائن تقريبًا في المطاعم، وطلبت طهران من "صندوق النقد الدولي" تمويلًا طارئًا بقيمة 5 مليارات دولار لمساعدة الحكومة الإيرانية على محاربة "كوفيد-19".
يؤكد منتقدو الجمهورية الإسلامية أن مشاكل الحكم (مثل الفساد والتعتيم والقصور داخل النخبة الحاكمة في إيران) وتسييس الأزمة من قبل المسؤولين في طهران هي المسؤولة عن التأثير المفرط للمرض على البلاد.
وكتب الطبيبان "كاميار علايي" و"آرش علايي" في مقال لهما في صحيفة "نيويورك تايمز": "كنا أطباء في النظام الصحي الإيراني لسنوات. هذا ما يحدث عندما تجعل السياسات الصحية خاضعة للسياسة".
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن سياسات إدارة "ترامب" تؤدي إلى تفاقم الضرر الذي يلحقه فيروس "كورونا" بإيران.
جعلت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الحياة اليومية صعبة بالفعل على المواطنين بشكل متزايد، ويبدي الإيرانيون قلقهم الآن من نقص الأدوية والأقنعة المتاحة.
تفتقر البلاد إلى "أدوات الحماية الشخصية والتطهير الأساسية" كما قالت ممرضة في مقاطعة جيلان لصحيفة "إندبندنت"، ودعا الرئيس الإيراني "حسن روحاني" الإدارة الأمريكية إلى رفع العقوبات حتى يتمكن الإيرانيون من الوصول إلى الأدوية.
ومع ذلك، لا يزال البيت الأبيض ملتزمًا بشدة بسياسة "الضغط الأقصى" على الرغم من الاحتياجات الخاصة لإيران وسط هذا الوباء العابر للحدود.
ويرى "جورجيو كافيرو"، مدير معهد دراسات دول الخليج، أنه بغض النظر عن كيفية حدوث هذه الأزمة الصحية العالمية، فلا يمكن لدول الخليج العربي تجاهل انتشار فيروس "كورونا" الذي يحدث داخل جارتها.
"كورونا" عدو مشترك
وقد أوقفت كل من السعودية والإمارات ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي جميع رحلات السفر من وإلى إيران للمساعدة في احتواء المرض.
ومع ذلك، تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه على الرغم من اختلافاتهم مع إيران، فقد تسببت آثار هذا الوباء في أن يكون لدى المسؤولين في دول الخليج العربي عدو مشترك جديد -وإن كان بيولوجيًا- مع نظرائهم في طهران.
على الرغم من خطورة الوضع العام، فمن الممكن أن تظهر فائدة إيجابية لفيروس "كورونا"، تتمثل في التعاون في مجال الصحة العامة ما يثبت أن هذه الدول قادرة على تجاوز التنافسات الجيوسياسية والتوترات طويلة الأمد.
وكان دور الإمارات في المساعدة على تسهيل إرسال 7.5 طن من المساعدات الطبية لإيران من منظمة الصحة العالمية علامة إيجابية على الكيفية التي قد يؤدي بها هذا الفيروس إلى إعادة تفكير دول الخليج في نهجها تجاه الخصومات الإقليمية.
وفي المقابل، والكلام لـ"كافيرو"، هناك حقيقة مؤسفة تتمثل في أن "كوفيد-19" يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة بين مختلف البلدان في المنطقة.
فحقيقة أن مدينة "قم" الإيرانية الشيعية المقدسة قد تضررت بشدة من الفيروس، أدت إلى ظهور أصوات متعددة في دول مجلس التعاون الخليجي تصور "كوفيد-19" على أنه "مرض الشيعة".
وفي 12 مارس اتهمت حكومة البحرين إيران بـ"العدوان البيولوجي" بسبب تعامل طهران مع فيروس "كورونا" والزعم بتقاعسها عن ختم جوازات سفر المواطنين البحرينيين المسافرين إلى الجمهورية الإسلامية.
بالإضافة إلى ذلك، اتهم صحفي سعودي مقيم في الإمارات، قطر بالوقوف وراء الفيروس.
تؤكد هذه التطورات كيف يمكن للصور النمطية السلبية والافتراضات والتصورات عن "الأعداء"، أن تخيم على آفاق التعاون بين الدول المتعددة في مكافحة فيروس "كورونا" في الخليج.
تحديات الاقتصاد
على أي حال، لن تكون أي دولة في مجلس التعاون الخليجي قادرة على تجنب التكاليف الاقتصادية لفيروس "كورونا" وتأثيره على الاقتصاد العالمي.
سيضر التباطؤ الصيني بشدة باقتصادات الخليج بالنظر إلى أن الصين هي أكبر شريك اقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي وشريك استراتيجي رئيسي لكل من الدول الأعضاء في المجلس.
وبالنظر إلى مدى اعتماد رؤى دول مجلس التعاون الخليجي للتنويع الاقتصادي، على عائدات النفط أو الغاز، فإن المجموعة الحالية من المشاكل المالية الناشئة عن "كوفيد-19" تمثل تحديات كبيرة للدول التي تسعى إلى إنهاء اعتمادها على الهيدروكربونات.
لا يعاني مجال الطاقة وحده في السعودية من فيروس "كورونا"، بل السياحة الدينية أيضًا، حيث علقت المملكة رحلات العمرة مؤقتًا، وهي نفسها مصدر مهم لإيرادات القطاع غير النفطي للسعوديين.
في الوقت نفسه، يضع "كوفيد-19" علامة استفهام كبيرة حول إقامة معرض "دبي إكسبو 2020"، الذي من المقرر أن يبدأ في أكتوبر2020 ويستمر حتى أبريل 2021، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان المرض سيلغي "الحدث الضخم".
وفي نهاية المطاف؛ على الرغم أن دول الخليج العربي أثبتت -حتى الآن- أنها تقوم بعمل جيد في حماية مواطنيها من المخاطر الصحية التي يمثلها "كوفيد-19"، فمن الواضح أن هذا الفيروس يمثل تهديدًا كبيرًا لطموحات أعضاء مجلس التعاون الخليجي لتنويع اقتصاداتهم.
وعلى خلفية اجتماع "أوبك" الفاشل في وقت سابق من هذا الشهر في النمسا، ينتشر "كورونا" في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبقية العالم في وقت حرج للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
ومع ذلك، فإن التحدي الرئيسي الآن سيكون متعلقًا بحالة عدم اليقين التي تلف المستقبل الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في ضوء هذا الوباء وتداعياته.