يزعم الرئيس الإيراني "حسن روحاني" أن طهران تفوقت على كل الدول الغربية في تعاملها مع أزمة الفيروس التاجي الجديد "كوفيد-19". ولا يمكن لأحد أن ينكر أن الذعر قد انتشر في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة مع انتشار الفيروس.
لكن بدلا من الشماتة، التي لا يوجد مبرر لها لأن إيران لا تزال ثالث أكثر الدول تضررا في العالم بالفيروس حيث قتل نحو 1300 شخص وأصيب 19 ألفا آخرين، كان يجب على "روحاني" أن يبقي عينيه على بعض العلامات الأكثر إثارة للقلق داخل البلاد التي كشفتها ردود الفعل على الأزمة.
إدارة الأزمات
وقبل كل شيء، لا يزال السؤال مطروحا حول سبب تستر المسؤولين الإيرانيين لأسابيع على حقيقة وصول الفيروس إلى إيران من الصين في أوائل يناير.
ويعتبر إنكار طهران لوجود أزمة في البداية، ثم التصرف بطريقة غير منظمة عندما استجابت في النهاية، دليلا على حقيقتين منفصلتين.
أولا، يبدو أن عجزا كبيرا في الشرعية الشعبية يُجبر النظام على ما يبدو على تضليل الجمهور باستمرار من أجل الحفاظ على الجماهير في حالة من الهدوء.
وفيما يعد اعترافا على وجود شرخ في ثقة الجمهور في السلطات، أطلق "روحاني" هذا الأسبوع مقطعا مدته ساعة واحدة تقريبا من اجتماع الحكومة حول الأزمة.
وفي الفيديو، يحاول "روحاني" تقديم نفسه في صورة مدير الأزمة الذي يتحكم بشكل كامل في الوضع، ويظهر وهو يستجوب وزراءه حول القضايا المتعلقة باحتواء الفيروس وتوافر أسرة المستشفيات.
وجاءت تلك الحيلة بعد انتقادات شديدة لـ "روحاني" واتهامه بأنه فشل في قيادة الأمة في ساعة الأزمة.
ثانيا والأهم، تعد أزمة الفيروس التاجي أحدث تذكير بأن الفصائل السياسية في الجمهورية الإسلامية تواصل الانقسام حول نوع العلاقة التي يجب أن تكون عليها الدولة مع بقية العالم.
ولا يتعلق التنافس بين الفصائل داخل النظام كثيرا بإدارة الأزمات الفورية على هذا النحو، كما أفادت وسائل الإعلام الغربية، التي ركزت على المنافسة الصغيرة بين "روحاني" والحرس الثوري على دور قيادة البلاد أثناء الأزمات وتسجيل النقاط في لعبة العلاقات العامة.
روحاني والحرس الثوري
وعندما يحين وقت دفع الثمن، سينسق كل من "روحاني" والحرس الثوري مع مكتب المرشد الأعلى "آية الله علي خامنئي".
ولا يريد "خامنئي" شغل الدور القيادي بنفسه؛ لأنه لن يخرج بأي شيء جيد في التعامل مع أزمة الفيروس، ولا يريد أن تتسبب الأزمة في ضرب النظام بالكامل.
ومع ذلك، تبعث الردود المختلفة من قبل الفصائل المختلفة داخل النظام برسالة عميقة حول قدرة طهران على المدى الطويل على العودة إلى التيار الرئيسي العالمي.
وفي الوقت الذي شرع فيه وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" في الضغط من أجل جلب الدعم الدولي لطهران للحصول على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، تنشغل أصوات اليمين المتطرف في إيران بتصوير أي تفاعل مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو منظمة الصحة العالمية كانحناء وخضوع للمصالح الغربية وبيع لـ"القيم الإسلامية" للنظام.
وأصبحت هذه الحقيقة، المتمثلة في الخلاف حول نوع العلاقة التي تربط البلاد بالمنظمات الدولية، المعيار لكل شيء في إيران تقريبا.
ويعتبر المثال على ذلك المعركة الكبرى في طهران في الأعوام الأخيرة حول ما إذا كان ينبغي على البلاد الالتزام بمعايير "فريق العمل المالي الدولي" أم لا.
وفي فبراير الماضي، وبعد 3 أعوام و6 جولات من المواعيد النهائية لطهران للوفاء بمعايير مكافحة الإرهاب، أضاف فريق العمل المالي إيران إلى القائمة السوداء للمنظمة.
وبالنسبة لحكومة "روحاني"، كان لابد من الالتزام بمعايير "فريق العمل"، وإن لم تفعل إيران ذلك، سيتم تقويض علاقاتها المصرفية والتجارية الدولية، لأن الشركاء الأجانب سيكونون أقل رغبة في التعامل مع الكيانات الإيرانية.
وحتى روسيا والصين، اللذين يعارضان العقوبات الأمريكية على إيران، حث كل منهما طهران على تجنب القائمة السوداء لفريق العمل المالي، لكن الرئيس "روحاني" ليس الصوت النهائي الحاسم في الجمهورية الإسلامية.
ويعود هذا الصوت إلى المرشد الأعلى "علي خامنئي"، وقد اختار هو والمعسكر المتشدد من حوله تجاهل إنذارات الفريق.
وإذا كان "روحاني" مهتم بحماية العلاقات التجارية الخارجية، فإن "خامنئي" وأمثاله كانوا أكثر قلقا بشأن التدقيق من قبل "فريق العمل المالي" وما يعنيه الالتزام بمعاييرها بالنسبة لقدرة طهران على الاستمرار في إرسال الأموال إلى وكلائها مثل "حزب الله" في لبنان.
ولم تكن لعبة شد الحبل هذه في طهران جديدة، وستستمر بالتأكيد في حين تتعامل إيران مع تأثير أزمة الفيروس التاجي.
على سبيل المثال، في حين يلوم وزير الخارجية "ظريف" العقوبات الأمريكية على ضعف قدرة إيران على التعامل مع الأزمة، وهو ما قد يكون صحيحا، فإن الحقيقة الأكثر وضوحا هي أن مصير طلب حكومة "روحاني" للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ليس بيد واشنطن الآن، ولكن بيد المتشددين في طهران.
ويطالب نفس المتشددين الذين خربوا جهود إيران في الابتعاد عن القائمة السوداء لفريق العمل المالي بالتنديد بطلب قرض من صندوق النقد الدولي كجهد يائس آخر من قبل حكومة "روحاني" التي يصفونها بـ"المهووسة بالغرب".
ولا تعد إيران هي الدولة الوحيدة التي عانت من هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة، لكن ما يبرز حول رد فعلها، أكثر من أي شيء آخر، هو أن تلك الأزمة تعد مثالا على المعركة الجارية في طهران حول نوع العلاقة التي يجب أن تكون بين إيران والعالم الخارجي.
ولكي تصبح عضوا فعّالا في المنظمات الدولية، مثل فريق العمل المالي أو صندوق النقد الدولي، فإنها عملية ذات اتجاهين، تتطلب طرفين يعطي كل منهما شيئا للآخر.
ولطهران كل الحق في تلقي الدعم المالي من صندوق النقد الدولي أو المساعدة من منظمة الصحة العالمية، مثل أي دولة أخرى تأثرت بالفيروس التاجي وتحاول مواجهته.
وإذا لم يكن هناك شيء آخر مفيد من هذه الأزمة، فنأمل أن تدفع إيران نحو نهج أقل انفصالا عن العالم الخارجي.