يستعد صانعو السياسة الخليجيون للتعامل مع آثار انخفاض مستديم لأسعار النفط إلى أقل من 30 دولارا للبرميل وارتفاع حالات فيروس "كورونا" التي تعطل الأسواق العالمية.
ورغم أن العديد من دول العالم تعاني نفس الآثار السلبية قصيرة المدى، لكن هيكل اقتصادات دول الخليج ومسار التنمية الاقتصادية المتعثر فيها سيعقد جهود حكوماتها لتجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة.
لا يزال التنويع الاقتصادي عملية مكلفة في دول الخليج، حيث تعتمد الصناعات غير النفطية ذات الأولوية العالية والمخصصة لجهود التنويع بشكل كبير على تدفق الزائرين الدوليين والسلع. وشهدت هذه القطاعات من اقتصادات الخليج صدمات مفاجئة ويبدو أنها على استعداد لعام صعب في 2020.
عمليات التنويع
جعلت عمليات التنويع الاقتصادي البطيئة والمكلفة دول الخليج تعتمد بشكل ما على قطاع الطاقة المتقلب.
وأدى انهيار اتفاقية الإنتاج بين تحالف "أوبك" والمنتجين المستقلين، أوائل مارس الجاري، إلى انخفاض أسعار النفط، التي كانت في انخفاض بالفعل، حيث انخفض سعر خام برنت من 58.8 دولارا للبرميل في 20 فبراير إلى 24.67 دولارا للبرميل في 18 مارس وهو أدنى مستوى له منذ عام 2003.
ونظرا لأن متوسط خام برنت بلغ 64 دولارا للبرميل في عام 2019، أعدت العديد من دول الخليج ميزانيات 2020 بناءً على افتراضات لأسعار النفط تتراوح بين 55 دولارا و60 دولارا للبرميل؛ لذلك من المتوقع أن يتسع العجز.
علاوة على ذلك، فإن الكثير من الخام المصدر من دول الخليج موجه إلى الدول الآسيوية، ويعتمد بعض المصدرين الخليجيين بشكل كبير على شريك تجاري واحد.
فعمان، على سبيل المثال، لا تعتمد فيما يقرب من 72% من الإيرادات الحكومية على صادرات النفط والغاز فحسب، لكن الصين اشترت أيضا ما بين 75% و95% من صادرات النفط الخام العمانية في عام 2019.
وصل سعر سهم "أرامكو" السعودية إلى أدنى مستوى عند 27.80 دولار في 16 مارس، بانخفاض 27% عن ذروة سعر سهم الشركة البالغ 38 دولارا منتصف ديسمبر 2019.
سوقت الحكومة السعودية الطرح العام الأولي لشركة "أرامكو" كمحور رئيسي في برنامج التحول الاقتصادي الطموح الذي يتضمن رسملة صندوق الاستثمار العام وتشجيع الخصخصة المستقبلية للجهات الحكومية.
ويترك انخفاض سعر سهم "أرامكو" كلا من الحكومة السعودية والمستثمرين من القطاع الخاص عرضة للخطر.
الصناعات غير النفطية
ويرى "روبرت موجيلنيكي"، الباحث المقيم في معهد الخليج العربي في واشنطن، أن تقدم الصناعات غير النفطية في منطقة الخليج يعطي القليل من الأمل في انتعاش اقتصادي سريع. تعتبر العديد من الصناعات ركائز التنويع الاقتصادي في المنطقة بما في ذلك السياحة والضيافة والطيران والخدمات اللوجستية، وهي تواجه تحديات غير مسبوقة.
ويتوقع المجلس العالمي للسفر والسياحة أن يؤدي تفشي "كورونا" إلى تقليص السفر العالمي بنسبة 25% وتعريض 50 مليون وظيفة للخطر.
تمثل السياحة ما يقدر بنحو 12% من اقتصاد الإمارات، وقد انخفضت معدلات الإشغال الفندقي في دبي في فبراير الماضي بنسبة 9.4% وانخفضت الإيرادات لكل غرفة متاحة بنحو 23%.
وأغلقت أبوظبي مناطق الجذب السياحي الرئيسية، مثل متحف "اللوفر أبوظبي" وحديقة "عالم فيراري".
وستؤدي التدابير الصارمة إلى تقييد التحركات الداخلية لسكان الخليج ومن ثم إلى إعاقة السياحة المحلية والأنشطة الترفيهية المحلية في جميع أنحاء المنطقة.
وبالمثل ستعاني الصناعات التي تعتمد على حركة الأشخاص والبضائع.
ووفقا لاتحاد النقل الجوي الدولي، تواجه شركات الطيران الخليجية خسائر في الإيرادات تبلغ 7 مليارات دولار نتيجة تفشي "كورونا".
ومن المرجح أن يتم تعديل هذه التقديرات إلى أرقام أعلى مع توقف محاور النقل الدولية في المنطقة حيث كانت شركات الطيران الخليجية تكافح بالفعل.
وتعطلت سلاسل التوريد التي تربط اقتصادات الخليج مع نظرائها الآسيويين والأوروبيين؛ مما اضطر شركات الخدمات اللوجستية في الخليج إلى إعادة تشكيل طرق التجارة.
ويتوقع المسؤولون في الموانئ والمخازن انخفاضا كبيرا في حجم البضائع.
حزم إنقاذ اقتصادي
وأطلقت حكومات الخليج بسرعة حزم التحفيز الاقتصادي لدعم اقتصادات بلدانها. إذ أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي عن إنفاق 13.3 مليار دولار لدعم القطاع الخاص، بينما أطلق البنك المركزي الإماراتي حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 26 مليار دولار.
وأعلنت قطر عن حزمة من الحوافز المالية بقيمة 20.5 مليار دولار للقطاع الخاص وشجعت البنوك على منح فترة سماح مدتها 6 أشهر لسداد القروض.
وذهب البنك المركزي البحريني خطوة أخرى إلى الأمام بتفويض البنوك والمؤسسات المالية في البلاد بتقديم تأجيلات لمدة 6 أشهر على أقساط أي مقترضين متأثرين بالفيروس.
وتمثل خطة الحكومة البحرينية لحزمة تحفيز بقيمة 11.38 مليار دولار ما يقرب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد وستغطي رواتب القطاع الخاص لمدة 3 أشهر.
وطرح البنك المركزي العماني حزمة حوافز بقيمة 20.8 مليار دولار للمؤسسات المالية في البلاد، في حين وافق مجلس الوزراء الكويتي على مشروع قانون لتمويل 1.6 مليار دولار للوكالات الحكومية التي تحارب الفيروس.
الرابحون والخاسرون
لا يمكن أن تستمر حزم الدعم الاقتصادي السخية والإعفاءات من الرسوم الحكومية إلى ما لا نهاية. في الواقع، تتجه دول الخليج في الوقت نفسه لخفض الإنفاق.
وحسب ما نشر خلال الأيام الماضية، طلبت الحكومة السعودية من الجهات الحكومية إعداد مقترحات لخفض ما لا يقل عن 20% من ميزانياتها، وخفض وزير المالية السعودي ميزانية الدولة بمقدار 13 مليار دولار أو حوالي 5%.
كما خفضت وزارة المالية في عُمان مخصصات ميزانية 2020 للجهات الحكومية بنسبة 5%.
وبالنظر إلى النفقات المحدودة المتاحة لمبادرات التنويع الاقتصادي، يجب على الحكومات الخليجية إعادة تركيز الاهتمام على الصناعات التي لا تتطلب تدفقات كبيرة من الزوار الدوليين والسلع الأجنبية.
وهنا يقول "موجيلنيكي" إنه من المرجح أن يبرز الاقتصاد الرقمي في المنطقة باعتباره الرابح الأكبر عندما تهدأ أزمة تفشي الفيروس وتستقر أسعار النفط.
ويمكن للصناعات التي تخلق قيمة رقمية وتقدم خدمات عن بُعد أن تكون بمثابة تحوط ضد الأزمات المستقبلية التي تقيد تدفق الأشخاص والبضائع.
وأظهرت الأزمة أن الإنتاج الإعلامي والتقنيات المالية والاتصالات من الأنشطة الاقتصادية الواعدة لتجديد جهود التنويع الاقتصادي في دول الخليج.
وقد رفعت الإمارات وعُمان القيود المفروضة على بعض التطبيقات التي تسمح بالمكالمات الصوتية عبر الإنترنت؛ مما قد يمهد الطريق لمزيد من التحرير التجاري في قطاعات الاتصالات الخليجية حيث توفر المناطق الحرة الرقمية أو المدن التجارية الافتراضية، مثل تلك التي تقودها دبي، فرصا لتوليد الإيرادات من قاعدة المستهلكين العالمية.
وتبدو المشاريع ذات التكلفة الباهظة من أكبر الخاسرين، مثل منطقة المشروعات العملاقة "نيوم" في السعودية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أو المشروع العملاق في مدينة الحرير في الكويت والذي تبلغ تكلفته 86 مليار دولار، وتبدو هذه الآن مشاريع خيالية في ظل الظروف الحالية، وقد يتم تقليصها أو تأجيلها.
ويخلص "روبرت موجيلنيكي"، إلى أن الأساليب التقليدية للتنويع الاقتصادي من قبل دول الخليج أفرزت ضعفا في المناورة لمواجهة التحديات الاقتصادية لعام 2020.
ولا يمكن لدول الخليج أن تتجنب التداعيات الاقتصادية من انخفاض أسعار النفط وتفشي "كورونا"، لكن يمكن للحكومات اتخاذ خطوات حاسمة لجعل اقتصاداتهم أكثر مرونة في المستقبل.