رغم أنها ليست بمنأى عن الفيروس العابر للحدود، إلا أن كل شيء في هذه الدولة الأوروبية يسير كالمعتاد، فقطار الحياة يمضي بمباهجه وطقوسه المعتادة، دون أن يوقفه أو حتى يعطله وباء أنّ تحت وطأته العالم ورفع من هول وحشيته الرايةَ البيضاء.
المقاهي في هذه الدولة لم تغلق أبوابها ولا تزال تستقبل روادها بحفاوة، ودوري كرة القدم هو الوحيد الذي مازالت مبارياته تقام في عموم أوروبا دون أن يخرج حتى البطاقة الحمراء لجماهيره التي تكتظ بها المدرجات.
يسخر قائد هذه الدولة من الرعب العالمي الذي خلفه المفترس كورونا ويقول متهكماً على القاتل الأصفر "أن تموت على قدميك أفضل من أن تعيش على ركبتيك. أين هذا الفيروس؟ أنا لا أراه".
هذه الدولة هي بيلاروسيا أو روسيا البيضاء تلك الدولة الحبيسة الواقعة في أوروبا الشرقية.
لم تسر مينسك في ركب جاراتها اللواتي شلهن الإغلاق، حيث أُغلقت الأسواق والمطاعم والمحال التجارية أبوابها في القارة العجوز، فكل شيء في شوارع بيلاروسيا يسير كما العادة.
يسخر رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو من الذعر حول العالم ويصفه بالذهان، وهو مصطلح في الطب النفسي للحالات العقلية التي يحدث فيها خلل ضمن إحدى مكونات عملية التفكير المنطقي والإدراك الحسي.
ويرفض لوكاشينكو الانضمام إلى الدول الأوروبية التي أغلقت أبوابها. رغم أن الفيروس أصاب حتى الآن 94 شخصا من مواطنيه، إلا أن أحدا لم يمت بعد هناك.
أعلن لوكاشينكو الذي يحكم روسيا البيضاء بيد من حديد منذ عام 1994 والمعروف باسم "طاغية أوروبا الأخير"، الأسبوع الماضي أنه "يجب ألا يكون هناك ذعر".
وشجع لوكاشينكو البيلاروسيين على مواصلة العمل في الزراعة. وقال "الجرار سوف يشفي الجميع. الحقول ستشفي الجميع".
بالأمس، أثناء لعبه الهوكي، أعلن الزعيم البيلاروسي: "من الأفضل أن تموت على قدميك من أن تعيش على ركبتيك"، وتفاخر بمواصلة اللعب هذه الأيام أيضا، واحتضن بقية اللاعبين. وقال "لا توجد فيروسات هنا في الملعب ، أنا لا أراها".
في أيام الكورونا المرعبة والغريبة، يمكن لمدمني كرة القدم أن يجدوا عزاءهم في مباريات من الدوري البيلاروسي، ذلك لأنه الوحيد الذي تواصل فيه الساحرة المستديرة رحلتها الممتعة على المستطيل الأخضر بحرية وبلا خوف، وهي المباريات التي يتم نقلها في بث حي في كل دول أوروبا المنكوبة بالخوف قبل الوباء.
بدا كأن مشجعو كرة القدم في القارة العجوز اكتشفوا فجأة أن هناك فرقا مثل دينامو مينسك فراحوا يشجعونه هو وفرق أخرى ويبدون اهتماما كبيرا بها.
حالياً، يأمل ألكسندر سترا، المتحدث باسم "دينامو"، في أن يدفع الاهتمام الدولي اللاعبين إلى تطوير مستواهم.
وقال سترا "نأمل أن يتحلى اللاعبون بقدر أكبر من المسؤولية وأن يرتفع مستوى المباريات".
فيما يعتقد "يوري" أحد مشجعي "دينامو مينسك" أن الوضع الحالي في الكرة البيلاروسية سيؤدي في نهاية الأمر إلى انتقال لاعبين محليين إلى الدوري الممتاز في مختلف أنحاء أوروبا.
"يوري" يعرب عن أمله في ألا يتخلى المشجعون الجدد لفريقه في أوروبا عن الدوري البيلاروسي عندما يُستأنف اللعب في بلادهم، عندما يرفع كورونا عنها يديه الثقيلتين.
في بيلاروسيا، يواصل المشجعون حضور المباريات بلا خوف أو قلق. الآلاف مهم شاهدوا أمس الخسارة المفاجأة لباتي بوريسوف (من الفرق الرائدة هناك) لصالح منافسه سلافيا موزير.
في العاصمة مينسك، أقيم أمس السبت الدربي بين فريقي مينسك ودينامو مينسك في مباراة صبت لصالح الأول 2-3، وكانت المدرجات نصف ممتلئة، ودفعت حرارة التشجيع الجماهير إلى خلع قمصانهم والظهور نصف عراة.
يعيش 9.5 مليون شخص في بيلاروسيا التي كانت عضو في الاتحاد السوفيتي وأعلنت استقلالها عام 1991.
لم تتجاهل مينسك تماما خطر كورونا، يما في ذلك عبر استخدام كاميرات حرارية عند بوابات استادات كرة القدم، لقياس حرارة الجماهير التي تأخذ مكانها بين المدرجات.
ويقول خبراء إن أحد أسباب النهج البيلاروسي يتمثل في الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بسبب التوترات مع روسيا، الحليف الرئيسي لمينسك.
وقال المعلق Artium Shrivman إن التباطؤ في الاقتصاد العالمي سيجعل الأمور أسوأ، مضيفاً "يبدو أن لوكاشينكو قرر أن قيامه بتعطيل الاقتصاد (على غرار دول أوروبية أخرى للحد من تفشي كورونا) سيكون بمثابة انتحار".
ينتهي النهج المريح نسبيا في كل مرة يتم فيها تشخيص إصابة جديدة بكورونا. وتقول ألينا بوغدين نائبة وزير الصحة، إن أي شخص يتم تشخيصه كمصاب بالفيروس أو تظهر عليه أعراضه يتم إدخاله إلى المستشفى وعزله، كذلك فإن كل من كانوا على اتصال معه يُعزلون.
الخبر من المصدر..