تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي غدا الخميس، للبت في أسعار الفائدة، وسط ترجيحات من عدد من الخبراء باتجاه المركزي لتثبيتها، مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وتأثيره الواضح على حركى الاقتصاد العالمي.
ورجح الخبراء والمحللون تثبيت أسعار الفائدة، وذلك لدراسة تأثير قرار البنك المركزي، في اجتماع طارئ للجنة السياسة النقدية يوم 16 مارس الماضي، خفض أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 300 نقطة أساس.
وقال البنك المركزي حينها: إن القرار "جاء فى ضوء التطورات والأوضاع العالمية وما استتبعه من التحرك للحفاظ على المكتسبات التي حققها الاقتصاد المصري منذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني وما اعتاده البنك المركزي المصري على اتخاذ خطوات استباقية في الظروف الاستثنائية".
ما هي معدلات الفائدة الحالية؟ يبلغ حاليا سعر العائد على كل من الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية 9.25% و10.25% و 9.75% على الترتيب، كما يقف سعر الائتمان والخصم عند مستوى 9.75%.
وأبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماعين السابقين للجنة السياسة النقدية، وسبق أن خفض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 450 نقطة أساس خلال الفترة ما بين فبراير ونوفمبر من العام الماضي.
لجنة السياسة النقدية تؤكد استعدادها لمزيد من الخفض إذا اقتضت الحاجة: شددت اللجنة في البيان الذي أصدرته عقب قرار الخفض الطارىء أنها "لن تتردد في اتخاذ الخطوات الضرورية بشأن أسعار العائد"، وهو ما أكد عليه محافظ البنك المركزي طارق عامر في وقت سابق من الأسبوع الجاري، لافتا إلى أن المركزي لديه مجالا واسعا لخفض الفائدة إذا اقتضت الحاجة.
وثمة إجماع بين المحللين على أن المركزي سينتظر ليرى مدى تأثير الخفض الأخير: يقول محمد أبو باشا رئيس وحدة بحوث الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس: إن المركزي على الأرجح سيثبت أسعار الفائدة في اجتماع الغد نظرا لقيامه بخفض مفاجىء بواقع 300 نقطة أساس دفعة واحدة.
وأضاف أنه لم تحدث أى تطورات منذ قرار المركزي الأخير، كما أن الحكومة بدأت تدريجيا في اتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من انتشار "كوفيد-19". وتابع: دون اتخاذ تدابير جذرية، فربما يلجأ البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة.
وتوقعات بارتفاع التضخم مجددا خلال الأشهر المقبلة: رجحت مونيت دوس، محللة الاقتصاد الكلي وقطاع البنوك بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار، أن يفضل المركزي عدم تخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى في الوقت الحالي في ضوء احتمالات عودة الضغوط التضخمية خلال الأشهر المقبلة.
وأوضحت أن زيادة معدلات شراء السلع الغذائية والتموينية عقب إعلان أوقات الحظر في مصر والارتفاع النسبي في الطلب خلال شهر رمضان والنقص المحتمل في المعروض نتيجة طول فترة الإغلاق قد تدفع معدل التضخم السنوي إلى ذروة تصل إلى 11.45% بحلول ديسمبر المقبل.
وتتوقع إتش سي أن يتراوح التضخم الشهري عند معدل 1% تقريبا على مدار الأشهر الباقية من 2020 ليحقق معدل متوقع 6.4% خلال النصف الأول من العام، مدعوما بالتأثير الإيجابي لسنة الأساس ليصل إلى حده الأقصى عند 11.45% في ديسمبر على أساس سنوي. وبعد ارتفاع دام 3 أشهر متتالية، تراجع التضخم السنوي العام بالمدن إلى 5.3% في فبراير الماضي، مقارنة بـ 7.2% في يناير، وهو مستوى أدنى بكثير من النطاق المستهدف من المركزي عند 9% (±3%) بنهاية العام الجاري.
ارتفاع مستويات المخاطر يحد من فرص خفض الفائدة مرة أخرى، وفقا لدوس، والتي نوهت إلى ارتفاع معدل "مبادلة مخاطر الائتمان" للخمس سنوات لمصر، بالإضافة إلى نمو الطلب على عائدات أعلى في سوق السندات.
وأشارت إلى أن معدل "مبادلة مخاطر الائتمان" للخمس سنوات قفز ليتخطى مستوى 612 نقطة أساس، مقارنة بـ 298 في نهاية فبراير ليحقق مستوى أعلى بكثير من تركيا التي حققت معدل بلغ 469 نقطة أساس.
المركزي لن يقدم على الخفض أيضا للحد من تخارج مستثمري المحافظ المالية: يرى أبو بكر إمام رئيس قطاع البحوث لدى سيجما كابيتال أن المركزي سيلجأ لتثبيت أسعار الفائدة في محاولة لتخفيف الضغط على العملة المحلية في ظل خروج الأجانب والحفاظ على السيولة داخل النظام المصرفي.
في المقابل، توقع أحمد حافظ رئيس قسم الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك الاستثمار رينيسانس كابيتال، استمرار خروج الأجانب حتى تستقر الأمور عالميا.
ويرى هاني جنينة رئيس قطاع البحوث في برايم القابضة أن السبب الرئيسي الذي قد يدفع المركزي لعدم تغيير سعر الفائدة هو الرغبة في إحداث توازن بين تكلفة الشهادات الجديدة (15%) وعائد الأذون والسندات الحكومية لعدم الإضرار بالملاءة المالية للبنوك خاصة البنكين المصدرين "الأهلي" و"مصر"، بالطبع فإن الإبقاء على سعر فائدة مرتفع على الودائع ضروري للحفاظ على جاذبية الجنيه المصري في هذه المرحلة.
وتابع أن عبء سداد مستحقات القروض (أقساط وفوائد) تم تأجيله 6 أشهر، وعليه فلا يوجد عبء حقيقي في صورة تدفقات نقدية على الشركات والأفراد من سعر الفائدة الحالي. ولكن في غياب أثر شهادات الـ 15% علي ربحية البنوك، فإن هناك مساحة لخفض 2% أخري في هذه المرحلة لأن الضغوط التضخمية معدومة تماما وفارق سعر الفائدة عن باقي دول مجموعة الـ 7 مرتفع جدا، وفق جنينة.
ويرى جنينة أن العائق الوحيد أمام خفض آخر ما زال هو نفس السبب وهو تمكين البنوك من توفير أدوات ادخارية ذات عائد مرتفع للحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وعلى النقيض، كابيتال إيكونوميكس تتوقع خفضا ثانيا: رجحت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البريطانية للأبحاث الاقتصادية، والتي توقعت الأسبوع الماضي انكماش الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة 1.3% خلال العام الجاري على خلفية أزمة "كوفيد-19"، خفض أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر غدا الخميس.
وقال جيمس سوانستون المحلل الاقتصادي لأسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المؤسسة، إن مع قيام البنوك المركزية عالميا بتيسير السياسات النقدية بصورة أكبر منذ الخفض الطارىء الذي أقره المركزي المصري، بالتزامن مع إبقاء الضغوط التضخمية في مصر تحت السيطرة، من المرجح أن يزيد المركزي دعمه بخفض إضافي لأسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس في الاجتماع المقبل. ورجح أنه مع اتضاح مدى الأضرار الناجمة عن الأزمة، فمن المتوقع أن تتراجع أسعار الفائدة بمقدار 125 نقطة أساس أخرى خلال الأشهر المقبلة.
هل يحفز الخفض الأخير الذي طالما انتظرته الشركات الاقتراض الرأسمالي؟ قال محمد سعد المحلل المالي في شركة شعاع لتداول الأوراق المالية إن غالبية الطلب على الائتمان في الوقت الحالي قصير الأجل، مستبعدا أن نرى إقبالا على الاقتراض الرأسمالي في المرحلة المقبلة رغم هذا التراجع الكبير في أسعار الفائدة، في الوقت الذي بدأت بالفعل بعض الشركات بتخفيض المرتبات وتسريح موظفين.
ما هي الإجراءات الأخرى أو الأدوات التي يمكن أن يستخدمها المركزي لاحتواء الأزمة؟ قال إمام إن تخفيض الاحتياطي الإلزامي هو أهم إجراء في الوقت الحالي. وأضاف: "الاحتياطي الإلزامي حاليا 14%، ولدينا فرصة لخفضه حتى 10% في الوقت الذي يراه المركزي مناسبا".
وشدد على أن القرار ملح حاليا، لأن تأجيل أقساط القروض مكلف للبنوك جدا، وبالتالي لا يجوز أن يبقى 14% من أموال الودائع غير مستغلة، ولا بد أن يمنحهم المركزي فرصة لتحقيق عائد على جزء أكبر.
لا تترقبوا خفضا آخر لأسعار الفائدة قبل نهاية العام: قال أبو باشا إن هيرميس كانت بالفعل تتوقع خفضا بواقع 200 نقطة أساس لأسعار الفائدة خلال العام الجاري، لكن الخفض الأخير بواقع 300 نقطة أساس سيدفع المركزي إلى الانتظار والتمهل لتحديد أثر ذلك على التضخم وكيف سيستجيب العالم لتفشي الفيروس. واختتم قائلا: من غير المحتمل أن نحتاج إلى خفض آخر لسعر الفائدة في مصر حتى نهاية العام.