الجميع تنصل من المسؤولية.. كواليس نقل متوفى كورونا على عربة نقل في بورسعيد

نقل متوفى كورونا على عربة ربع نقل

كان إمام بالمسجد، يجلس فيه بعد الصلاة يُحفِظ من شاء القرآن رغم ما بلغه من العمر، حتى إذا جاءه الموت لم يجد من يُغسله،  بضع ساعات قضاها أهله في الاستغاثة عساهم يجدوا من يغسله، وينقل جثمانه إلى مثواه الأخير، وكانت النهاية في كيس أسود حُمل به الجثمان فوق عربة نقل.

 

هكذا كان المشهد، في مقطع فيديو تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لرجل توفي بفيروس كورونا، ملفوف في كيس أسود، وحمله أهله فوق عربة ربع نقل، لنقل الجثمان إلى المقابر، ولكن وراء ذلك المشهد رحلة شاقة مر بها أهل المتوفى، ربما لم يظهرها مقطع الفيديو، ولكن كشفها آخرون.

 

 

ابنة المتوفى تروي ما حدث

 

في يوم 31 مارس دخل إبراهيم مسعد محمد العتر، ذو الـ 64 عاما، مستشفى المبرة في اشتباه بفيروس كورونا المستجد، وتبين في اليوم التالي إيجابية النتائج، وفي عشية 1 إبريل وافته المنية، ليجد أهله في حزنين أحدهما وفاة الرجل، والآخر تنصل الجميع من غسله ودفنه.

 

"مات ومش عارفين نشوفه ولا نودعه" قالتها شروق، ابنة المتوفى، وهي تقص ما حدث مع والدها، وكيف تخلى الجيمع من مسؤولية غسله ودفنه، فتقول :"لا إدارة المستشفى ولا النجدة ولا الإسعاف، ولا أي مسؤول رضيوا يجيبوا عربية مجهزة ننقل والدنا، لأن إكرام الميت دفنه".

 

وأضافت :"بعد مكالمات كتير مع المسؤولين، التصرف اللي عملوه العربية دي وكمان مرضوش يشيلوه من المستشفى، قالوا عياله يجو يتعقموا ويلبسوا ويشيلوا أبوهم، تفتكروا نعمل إيه، نسيب أبونا عندهم، وهما مش عاوزينه، ولا عاوزين يتصرفوا كمسؤولين".

 

 

واستطردت:"كلمنا النجدة نكلم مين تاني يغثنا، ملناش غير ربنا، وبالفعل أخواتي اللي شلوه ونزلوه، برافوا المسؤولين، حسبي الله ونعم الوكيل، وأخواتي ووالدتي لأنهم مختلطين به دفنوه وسلموا نفسهم للحميات".

 

من المسؤول؟

 

ربما لم يكن يعلم أحد بما حدث مع إبراهيم العتر، الذي توفى بفيروس كورونا في بورسعيد، لولا مقطع الفيديو الذي انتشر على موقع التواصل الاجتماعي، وهو يوثق لحظة خروج الجثمان من مستشفى المبرة بواسطة 5 أشخاص غير متخصصين وهم يحملوه داخل كيس أسود، فوق عربة نقل، وصولا إلى المقابر، واستلام طاقم تابع للصحة للجثة لدفنها.

 

 

تلك الواقعة أثارت جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط غضب شديد، الجميع يتساءل كيف خرج الجثمان من المستشفى ونقله على عربة ربع نقل دون اتخاذ الإجراءات الوقائية لحاملين الجثمان، وأخذ الجدال بعد آخر، من يتحمل المسؤولية، من صور الفيديو، أم المتسبب في الواقعة من البداية؟.

 

مصور الفيديو كاد يبح صوته، وهو  يروي ما حدث معهم، وكيف تنصل منهم الجميع، وهو يقول "حالة وفاة كورونا طالعة من مستشفى المبرة على عربة ربع نقل، مفيش في المحافظة حاجة توديها، احنا اللي شايلنها ياحكومة، يامحافظ بورسعيد، ياوزيرة الصحة، يارئيس الجمهورية، رايحين ندفن حالة كورونا على عربة ربع نقل، بورسعيد بتشتكي ياريس، ارحمونا يرحمكم ربنا".

 

 

وأضاف:"فينك يامحافظ بورسعيد، فينك ياوزارة الصحة، لولا إكرام الميت دفنه، لكنت حطيته قدام بيت المحافظ وأقوله خد اتصرف، ارحمونا يرحمكم ربنا، محافظة مفيهاش اسعاف ينقلوه، استر علينا يارب، عربية مكشوفة، وميت مكشوف، وربنا يستر، يامحافظ بورسعيد قوم اطلع من مكتبك شوف اللي بيحصل في مستشفيات بورسعيد".

 

محافظ بورسعيد..المصور أساء للبلد

 

كانت تلك استغاثة أهل المتوفى، فكيف كان رد محافظ بورسعيد؟.

 

اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، أوضح أن الرجل توفى عصر أول إبريل، واتخذت معه المستشفى كافة الإجراءات الوقائية، وقام الأطباء بدورهم، ولكن كانت المشكلة في أن المستشفى طلبت أكثر من مغسل ولكنهم رفضوا، وكانوا في خوف وريبة من الموقف.

 

وأضاف الغضبان، في مداخلة مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج على مسؤوليتي أمس الخميس، إن المستشفى تواصلت مع أهل المتوفى ليأتوا بمغسل، حتى توصلوا لأحد المغسلين وافق على الغسل وساعده في ذلك أحد الأطباء الذي تطوع لمساعدة المغسل.

 

 

وبحسب المحافظ إن دور المستشفى يتوقف عند الغسل، ليتسلم أهل المتوفى الجثمان بعد ذلك، لافتا إلى أن أهل المتوفى اتصلوا بجمعية دفن الموتى لتنقل الجثمان إلى الجبانة، ولكنها رفضت، فتواصلوا مع أحد نواب بورسعيد، ووفر لهم عربة ربع نقل، بينما كان الطب الوقائي في الجبانة ليضمن الدفن السليم.

 

وتابع:"نحن نتعامل بشافية، وهذا الوضع الذي شاهدناه لا يليق، وأنا في غرفة العمليات وتليفوني مفتوح 24 ساعة، إذا لجأوا لي لوفرت لهم عربية، ففي الأسبوع الماضي كان هناك هناك أيضا واتصلوا بينا وتم نقل الجثمان بعربية إلى الجبانة".

 

وواصل حديثه:"ولكن الذي يسيء لنا الذي كان يسير ورا عربة نقل المتوفى وهو يصور، نحن ندير أزمة بشفافية، لماذا تسيء لبلدك ودولتك ومحافظتك؟".

 

 

عزل مدير "دفن الموتى"

 

وأشار إلى أن المحافظة اتخذت الإجراءات القانونية بعد هذه الواقعة،ومنها عزل مدير جمعية دفن الموتى، التي رفضت نقل الجثمان إلى الجبانة، من منصبه، على أن تواصل المحافظة متابعة الإجراءات القانونية اللازمة بعد ذلك.

 

ولفت المحافظ إلى أن وزارة الصحة قررت تخصيص 4 عربيات إسعاف قديم وتم تجهيزها لدفن الموتى، وكان لبورسعيد سيارة منهم، مضيفا أنه تواصل مع وزارة التضامن لتوفر له عربة خاصة بنقل جثماين موتى كورونا".

 

النائب يروي الكواليس..رفض جماعي

 

في المقابل قال أحمد فرغلي، عضو مجلس النواب عن بورسعيد، إن معظم كلام المحافظ عار تماما من الصحة، مؤكدا أنه لم يكن يعلم أن هناك حالة وفاة بكورونا في المحافظة إلا بعد تداول مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وقص فرغلي ما حدث، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، قائلا :"صباح اليوم تواصل معي أحد المواطنين توفى والده في مستشفى المبرة منذ أمس ولا يجد من يغسله، فتواصلت مع أكثر من شخص ولكن الجميع كان يرفض لأنهم خائفون، فتواصلت مع معظم الأجهزة والطب الوقائي، وقالوا لي إن الغسل ليس من دورهم، وهم يباشرون الغسل فقط".

 

وأضاف النائب:"أحد الدكتارة تطوع وقام بغسل جثة المتوفي، وبعدها حدثني ابنه وقالي لي نريد سيارة تنقل والدي للمقابر، فاتصلت بالطب الوقائي قالوا إنهم سينتظرون عند الجبانة، وتواصلت مع مديرية التضامن الاجتماعي قالوا لي إن وزارة الصحة خاطبتهم بألا تخرج سياراتهم لنقل موتى كورونا، وأرسلت لي الطلب على الواتس آب".

 

 

وتابع :"فتواصلت مع مدير إدارة الإسعاف ببورسعيد ليوفر سيارة لنقل المتوفى، قال لي إن وزارة الصحة أرسلت لهم جواب بألا تنقل سيارات الإسعاف حالات كورونا".

 

وبعد كل تلك المحاولات والتي رفضت فيها جميع الجهات تحمل مسؤولية نقل الجثمان، بدعوى أن هناك خطاب من وزارة الصحة بمنع نقل حالات كورونا، تواصل النائب مع مدير الشؤون الصحية، ومديرة الاتصال السياسي بمكتب الوزيرة، فقالت له يعاود الاتصال بمدير الشؤون الصحية ببورسعيد، ليخاطب إدارة التضامن لتوفر سيارة.

 

وعاد النائب ليتواصل مع مديرية التضامن الاجتماعي، وقالت له السيارة مستعدة لنقل الجثة، وحدث نجل المتوفى بذلك، ولكن سائق السيارة رفض وخشي أن يعرض حياته للخطر، فعاد النائب ليتواصل مع الطب الوقائي، فقالوا له إنهم سيسلموه بدلة الوقاية وسيعقمون السيارة بعد خروج الجثمان والدفن، ولكن السائق رفض.

 

وبعد كثير من المداولات والمحاولات بينما تمر الساعات على المتوفى منذ عصر الأول من إبريل وحتى عصر اليوم الثاني، دون غسل، ومن بعد دون أن يجد سيارة لنقل جثمانه، اضطر أبناء المتوفى لإحضار سيارة ربع نقل لنقل جثمان والدهم إلى المقابر.

 

 

وقال النائب :"أهل المتوفى لجأوا لسيارة ربع نقل لأني أنا وهم لنحو 24 ساعة خاطبنا جميع الجهات، والجميع رفض نقله، ومعي جميع المراسلات على الواتس آب التي تثبت صدق حديثي ".

 

واستطرد :"الجميع تنصل من الموضوع، جميع الجهات رفضت ترسل عربية، ، بينما محافظ بورسعيد لا يعرف أن هناك حالة كورونا في محافظته إلا بعد خروج الفيديو، ما حدث هو نموذج مصغر من إدارة الأزمة في بورسعيد".

 

ولفت النائب إلى أن الأسبوع الماضي كان هناك حالة وفاة في  بور فؤاد، وأهل المتوفى تسلموا الجثة ودفنوه وألقوا بالكيس الأسود دون إجراءات وقائية، وأخذوا العزاء، ولم يعرفوا أنه مصاب بكورونا، إلا فيما بعد.

 

الصحة..الأهالي المسؤولين

 

أما عن رد وزارة الصحة، فعلق الدكتور خالد مجاهد، المستشار الإعلامي لوزارة الصحة والسكان والمتحدث الإعلامي، إن الوزارة غير مسؤولة عن خروج جثمان متوفي الكورونا في محافظة بورسعيد بهذه الطريقة في الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وقال مجاهد، في تصريحات صحفية، إن وزارة الصحة ينتهي دورها بمجرد تسليم الجثمان إلى الأهل، معتبرا أن الأهالي هم السبب في نقل الجثمان بهذه الطريقة، بعد أن أنهت الوزارة كافة الإجراءات الوقائية في عملية تغسيل المتوفى بكورونا، والمتمثلة في تكفين المتوفى في كفن من طبقتين وكيس بلاستكيي غير نافذ للسوائل.

 

طلب إحاطة لرئيس الوزراء

 

وعلى صعيد متصل تقدم النائب محمود حسين، بطلب للدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، بإحاطة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الصحة بشأن واقعة فيديو نقل مواطن متوفى بكورونا من مستشفى المبرة ببورسعيد إلى المقابر بسيارة ربع نقل.

 

 وقال النائب :"آلمنا جميعا ما شاهدناه عمليه نقل جثمان المتوفي بكورونا ببورسعيد، لما رأيناه من طريقة لا تراعي حرمة الموتي، كما تعرض حياة الآخرين للخطر عن طريق الإصابه بالفيروس من جراء هذه الإجراءات الخاطئة".

 

وأضاف:"هالني ما صرح به المستشار الإعلامي لوزارة الصحة والسكان والمتحدث الإعلامي، إن وزارة الصحة والسكان غير مسؤولة عن خروج جثمان متوفي الكورونا في محافظة بورسعيد بهذه الطريقة في الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي أشار إلى أن الوزارة ينتهي دورها بمجرد تسليم الجثمان إلى الأهل".

 

إجراءات التعامل مع موتى كورونا

 

وأشار بيان الإحاطة إلى أن الإدارة العامة لمكافحة العدوى بوزارة الصحة المصرية أعلنت فيما قبل إجراءات التعامل مع حالات الوفاة بمرض الكورونا 1، -COVID وطريقة التغسيل والتكفين والدفن.

 

وأفادت بأنه يجب اتخاذ نفس الإجراءات و الاحتياطات، التي كانت تطبق أثناء حالات التعامل مع المريض أثناء حياته، ومنها عدم الملامسة، والابتعاد عن الجثمان لمسافة لا تقل عن متر، ورفعه بالملاءة المحيطة به، ونقله إلى ثلاجة المستشفى، على ترولي قابل للتنظيف والتطهير، مع مراعاة ارتداء الواقيات الشخصية.

 

 

 وعن إجراءات الغسل والتكفين قالت وزارة الصحة المصرية إنه يجب على القائم بالغسل ارتداء الواقيات الشخصية، وهي ماسك تنفسي عالى الكفاءة، وقفاز نظيف يغطي الرسغ، وعباءة سميكة تغطي الذراعين والصدر وتمتد إلى أسفل الركبة، ونظارة واقية، وغطاء الرأس، وحذاء بلاستيكي وكويل الرقبة.

 

 وأضافت أنه يجب أن يمنع دخول من لا حاجة لوجودهم أثناء الغسل، وفي حالة الضرورة يجب الابتعاد عن الجثة لمسافة أكثر من متر، وارتدائهم الواقيات المناسبة، كما يجب تغطية أجزاء الجسم التي يحدث منها إفرازات بضمادات غير منفذة.

 

وعن إجراءات نقل الجثة بعد الغسل والتكفين بسيارة إسعاف، وأكدت أنه يجب أن يتم نقل الجثة داخل الكيس غير المنفذ للسوائل، مع وضع علامة خطر الإصابة بالعدوى عليه، ويتم توضيح ذلك بالأوراق الرسمية، مضيفة أنه يجب مراعاة أن تكون الجثة داخل صندوق مغلق قابل للتنظيف والتطهير، مع مراعاة عدم فتحه إلا بالمدفن وأثناء الصلاة على المتوفي يراعى عدم فتح الصندوق تحت أي سبب.

 

وحول إجراءات الدفن، أكدت وزاره الصحة المصرية إنه عند فتح الصندوق لنقل الجثة داخل المقبرة، يراعى الالتزام من جانب من يقوم بالدفن بارتداء الواقيات الشخصية، وتواجد أقل عدد ممكن عند دخول الجثة إلى المقبرة، والالتزام التام بغسيل الأيدي بالكحول عند توافره لكل من تعامل مع المتوفى.

 

وتشتمل الإجراءات على تنظيف وتطهير كافة أسطح العمل التي تلامست مع الجثة بدءا من سرير المتوفى، وثلاجة حفظ الموتى، وأسطح سيارة الإسعاف، وصندوق نقل الموتى) باستخدام المطهرات المعتمدة بوزارة الصحة كالكلور السائل بتركيز قوي.

 

مطالب بالتحقيق قضائيا

 

 وقال النائب مقدم طلب الإحاطة إن  معظم هذه الإجراءات لم تتم في حالة المتوفي بكورونا في محافظة بورسعيد، الأمر الذي يتعارض مع بروتوكولات الصحة العالمية والمصرية.

 

وطالب النائب بالتحقيق الفوري قضائيا في واقعه نقل جثمان إبراهيم مسعد محمد العتر متوفي الكورونا ببورسعيد، لمحاسبة المتسببين الفعليين في الواقعة، وتحقيق أقصي عقوبه عليهم.

 

كما طالب بتوفير سيارات إسعاف مجهزة لنقل الموتي من مصابي الكورونا، تحسبا لحدوث حالات وفاة جديدة بالمحافظة، وتنفيذ كافة الإجراءات التي أعلنتها وزارة الصحة المصرية بشان التعامل مع حالات الوفاة بمرض الكورونا 19-COVID وطريقة التغسيل والتكفين والدفن .

مقالات متعلقة