أشعلت أزمة جائحة كورونا "حربا" وتهافتا غير مسبوق على المواد الطبية لمواجهة الفيروس، أبطالها ليسوا عصابات إجرامية بل دول كبرى تمر الشحنات من بلادهم، في مشهد يعيد زمن القرصنة من جديد.
الاتهامات بالقرصنة على اللوازم الطبية طالت العديد من الدول من بينها تركيا وأمريكا وفرنسا وحتى السويد والتشيك، وغيرها ضمن الحرب الدائرة حاليا لتلبية الاحتياجات الطبية لمواجهة الفيروس.
اليوم السبت، اتُهمت الولايات المتحدة باعتراض مسار شحنة تحمل 200 ألف كمامة، كانت متجهة إلى ألمانيا، وتحويلها لاستخدامها الخاص، في خطوة أدينت بوصفها "قرصنة حديثة".
ووصف أندرياس جيزيل، وزير داخلية ولاية برلين الاستيلاء على الشحنة بأنه "عمل من أعمال القرصنة الحديثة" مناشدا الحكومة الألمانية مطالبة واشنطن بالامتثال لقواعد التجارة الدولية.
وقال جيزل: "هذه ليست طريقة للتعامل مع شركاء عبر الأطلسى، حتى في أوقات الأزمات العالمية، يجب ألا تكون هناك طرق الغرب المتوحش".
وأعلن ترامب في المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض: "نحتاج إلى هذه البضائع على الفور للاستخدام المحلي.. يجب أن نحصل عليها".
وقال إن السلطات الأمريكية احتجزت ما يقارب 200 ألف قناع تنفس من طراز N95، و130 ألف كمامة جراحية و600 ألف قفاز، من دون أن يحدّد مكان مصادرتها.
وقبلها بساعات، كانت تركيا في مرمى الاتهامات الإسبانية، حيث وجهت وزيرة الخارجية جونزاليس لايا لتركيا اتهامات بالاستيلاء على طائرة قادمة من الصين محملة بالعشرات من أجهزة التنفس لعلاج المصابين بكورونا.
وقالت الوزيرة في تصريحات صحفية، إن "الطائرة لا تزال تحتجزها أنقرة التي قررت الاستيلاء على المعدات التي تحتويها".
سجل واشنطن في القرصنة على المواد الطبية اللازمة لمواجهة كورونا طويلة، فقبل ألمانيا، فضح جان روتنر رئيس منطقة جراند ايست الفرنسية واشنطن، واتهمها بشراء أقنعة على مدرجات المطارات الصينية عن طريق مضاعفة سعرها.
وقال إن "الأمريكيين دفعوا نقداً ثلاث أو أربع مرات ثمن الأقنعة الواقية التي طلبناها، والطائرات تتوجه إلى الولايات المتحدة وليس فرنسا.
ووصف فاليري بيكريس، رئيسة منطقة إيل دو فرانس، التى تضم باريس، السباق للحصول على الأقنعة بأنه "البحث عن الكنز".
قالت: "وجدت مخزون كمامات متاحاً، لكن الأمريكيين -لا أتحدث عن الحكومة الأمريكية - زايدوا علينا، وعرضوا دفع ثلاثة أضعاف السعر مسبقاً".
قرصنة فرنسية
ورغم توجيهها اتهاما بالقرصنة، فأن فرنسا هي الأخرى مارست القرصنة علي الأقنعة الطبية، عندما قامت بمصادرة ملايين الأقنعة الواقية والقفازات الطبية التي استوردتها إيطاليا وإسبانيا من الصين، بحسب شركة "مولنليك" الطبية السويدية.
وقالت الشركة السويدية فى بيان لها، إنها "استوردت ملايين الأقنعة الواقية من الصين، وكانت متجهة عبر فرنسا إلى كل من إسبانيا وإيطاليا، إلا أن السلطات الفرنسية وضعت يدها عليها بعد قرار منع تصدير المنتجات الطبية".
وأشارت الشركة إلى انها ستستورد الدفعة المقبلة من المعدات الطبية من الصين عبر بلجيكا، وسترسلها فيما بعد إلى إيطاليا وإسبانيا.
تحذيرات لواشنطن
أما كندا فقد وجهت تحذيرا لواشنطن من تقييد التجارة الدولية فى السلع والمعدات الطبية وسط تفشى جائحة فيروس كورونا.
وأشار رئيس الوزراء الكندى جاستين ترودو إلى أن مثل تلك الخطوة قد تؤدي في النهاية إلى الإضرار بالولايات المتحدة، التي تعتمد أيضًا على استيراد السلع من الخارج.
وانضمت التشيك أيضا لقائمة الدول التي قامت بالقرصنة، بعد الاستيلاء علي شحنة مساعدات مرسلة من الصين إلى إيطاليا، وقالت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، إن المساعدات التي تم توقيفها هي 100 ألف قناع طبى.
في الأيام الأخيرة نشرت عدة تقارير صحافية حول مشكلات النظم الصحية في دول أوروبا والولايات المتحدة وعدم قدرتها على التصدي لارتفاع أرقام المصابين بفيروس كورونا.
وأشار بعضها إلى النقص الحاد في المستلزمات الضرورية، ليس فقط في عدد أسرّة المستشفيات المجهزة للعناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعية بل لمستلزمات أساسية مثل الأقنعة الواقية والقفازات الطبية وحتى مواد التطهير العادية.
وإذا كانت بلدان مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا طلبت من شركات صناعة السيارات وشركات أخرى إنتاج أجهزة التنفس الصناعي لتلبية النقص الحاد فيها، وتحولت شركات منسوجات إسبانية لإنتاج أقنعة الوجه الواقية وشركات عطور ومستحضرات تجميل فرنسية لإنتاج سوائل التعقيم والمطهرات، فإن كل ذلك لا يبدو كافياً، لذلك لجأ البعض منهم للقرصنة لتعويض النواقص من المستلزمات الطبية.