وسط غبار كورونا.. ملف إدلب يعود لتعقيداته بهدوء (تحليل)

مع انشغال العالم بازمة تفشي جائحة "كورونا"، لا تزال رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط تتفاعل باستمرار، وتعد سوريا أبرز تلك الرقعات التي لم تتوقف تفاعلاتها بالتزامن مع أزمة الفيروس التاجي، بل على العكس، هناك من يرى أن الاطراف المتفاعلة المختلفة في سوريا كثفوا من تحركاتهم على الأرض خلال الأيام الماضية، مما ينذر باندلاع مواجهات أشد عنفا، لاسيما في إدلب، بعد انتهاء أزمة "كورونا".

 

وفي الواقع، لا تزال الهشاشة الأمنية والعسكرية على أشدها في إدلب السورية ومناطق أخرى في شرق الفرات، وتم إجبار كافة الأطراف على الاستسلام للتهدئة، مؤقتا، بسبب صعوبة اشتعال الوضع وخروجه عن السيطرة بين الحلفاء الأقوى في الملف، روسيا وتركيا وإيران، وكذلك عدم استطاعة القوى الأفل سيطرة، مثل قوات النظام السوري والجيش الحر والأكراد والميليشيات الشيعية على التحرك بأريحية خارج سيطرة تلك القوى الرئيسية.

 

حشد وحشد مضاد

 

وبالرغم من عدم اندلاع نزاع مباشر، فقد عززت تركيا بهدوء وجودها في إدلب، ونشرت أكثر من 20 ألفا من لواء المشاة الخفيف، ووحدات مدرعة، وقوات العمليات الخاصة، لتعزيز مواقعها في شرق إدلب وجنوبها.

 

وفي غضون ذلك، نشر النظام السوري المزيد من الأسلحة في الخطوط الأمامية، وأرسلت روسيا طائرتين مقاتلتين من طراز "سو-24" إلى قاعدتها الجوية في اللاذقية.

 

وزار وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" دمشق مؤخرا لمناقشة الخطوات التالية مع المسؤولين السوريين.

 

وتوقفت بالفعل الدوريات الروسية التركية المشتركة على طول الممر الأمني، الذي يبلغ عمقه 6 كيلومترات على طول الطريق السريع "إم 4"، بسبب مخاوف أمنية.

 

وربما تزيد الهجمات المتكررة التي تشنها "هيئة تحرير الشام" على مواقع النظام، من تصعيد القتال. وقد استغل الجانبان انشغال العالم بجائحة الفيروس التاجي "كوفيد-19" في تعزيز مواقعهما، مما يزيد من مخاطر المواجهة.

 

تموضع الأكراد

 

وفي هذه الأثناء يترقب الأكراد السوريون. ولكن لإعادة التموضع في الحرب الدموية في سوريا، كان على حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" وجناحه المتشدد، "وحدات حماية الشعب"، تشكيل تحالفات جديدة.

 

ومنذ عام 2014، كانت الولايات المتحدة الضامن الأمني ​​الرئيسي للأكراد. والآن بعد أن سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من الصراع، أصبحت تركيا، خصم الأكراد الرئيسي، لاعبا أكبر في الحرب.

 

ومع تغير المشهد الأمني، يضطر الأكراد إلى التكيف والتطلع إلى بعض الحلفاء غير المتوقعين للحصول على الدعم، وهم روسيا والنظام السوري.

 

وبمساعدة الأسلحة والتدريب الأمريكيين، أثبت الأكراد أنهم قوة قتالية فعالة ضد مجموعات مثل تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة"، وتمكنوا من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي في الشمال الشرقي.

ومع ذلك، في أواخر عام 2019، قررت الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، وسحب الآلاف من القوات من البلاد، وترك الأكراد في العراء.

 

وبالرغم أن الولايات المتحدة تمكنت من موازنة علاقاتها مع الأكراد وتركيا لفترة طويلة، إلا أنها اضطرت في نهاية المطاف إلى اختيار أحد الجانبين، واختارت تركيا، الحليف الأقوى والأعلى قيمة.

 

أولويات رئيسية

 

ولدى الأكراد أولويتان رئيسيتان في سوريا، وهما الحفاظ على السيطرة على مناطق الشمال الشرقي، ودفع تركيا للخروج من منطقة في شمال سوريا تعرف باسم "مثلث الفرات"، التي سيطرت عليها القوات التركية في عملية "درع الفرات" في الفترة 2016-2017.

 

ولأعوام، بفضل الدعم الأمريكي، سيطر الأكراد على هذه المنطقة، التي أصبحت واحدة من آخر مناطق سوريا خارج سيطرة النظام أو القوات التركية.

 

لكن مع زيادة تركيا لتواجدها في سوريا بـ 3 أضعاف، وتحقيق النظام لمكاسب كبيرة في الغرب، فقد الأكراد قبضتهم على المنطقة.

 

وفي 9 أكتوبر الماضي، أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي.

وأنشأت تركيا منطقة نفوذ جديدة تسميها "ممر السلام" على طول الحدود التركية السورية.

 

وبينما قللت الولايات المتحدة وجودها في البلاد، وجد الأكراد أنفسهم فجأة وحدهم في ساحة القتال يناضلون للحفاظ على منطقة حكم ذاتي في الشمال الشرقي.

 

تجنب إغضاب تركيا

 

وبالرغم أن الولايات المتحدة لا تزال تزود الأكراد بالسلاح والتدريب والدعم السياسي المحدود، فقد منعت واشنطن وحدات حماية الشعب من الانخراط عسكريا مع تركيا، حليفتها في "الناتو"، من خلال جعل المساعدة مشروطة بالامتناع عن الاشتباك مع القوات التركية.

 

وترى الباحثة في العلاقات الدولية بمؤسسة "جيوبولوتيكال فيوتشرز"، "كارولين دي روز"، أنه مع تقليص الولايات المتحدة وجودها في سوريا، ورفع تركيا لمستوى وجودها، تبقى خيارات الأكراد محدودة. لذلك لجأوا إلى النظام السوري وحلفائه، روسيا وإيران، من أجل الحصول على الدعم.

 

ومنذ عام 2015، كان النظام السوري عدوا فكريا وعسكريا لوحدات حماية الشعب الكردية. ولكن لم يعد الأكراد يتمتعون برفاهية التمسك بمبادئهم الأيديولوجية. وكما يقول المثل، "عدو عدوي هو صديقي".

ولتجنب الإبادة على أيدي الأتراك، يتطلع الأكراد الآن إلى عدو سابق لضمان بقائهم على قيد الحياة.

 

ومع ذلك، لم ينتج عن اللقاء أي اتفاق، حيث عارضت إيران (وهي حليف رئيسي آخر للنظام لديها حركة انفصالية كردية في الداخل) الشراكة مع الأكراد.

 

وسوف يغير تحالف القوى الكردية وقوات النظام التوازن العسكري في محافظة إدلب. وكما هو الحال، تسيطر روسيا على جميع المجال الجوي السوري، بالرغم من أنها كانت مترددة في شن ضربات على القوات التركية.

 

قدرات برية

 

وفي الوقت نفسه، تتمتع تركيا بقدرات أرضية أقوى، مع وحدات الكوماندوز الفعالة والمشاة الخفيفة. ولديها ما يقدر بـ 25 ألفا إلى 30 ألف جندي على الأرض، ويمكنها نشر ما يصل إلى 40 ألف جندي عن طريق إرسال أفراد من محافظة "هاتاي".

 

ويمكن لتركيا أيضا استدعاء وكلائها مثل "الجيش السوري الحر".

 

لكن قدرات النظام البرية ستحصل بالتأكيد على دعم بدخول القوات الكردية إلى جانبه، وهي القوات التي تم تدريبها من قبل الولايات المتحدة.

 

وسوف يعني التحالف بين الاثنين أيضا أن أعداء النظام سينقصون واحدا، ما يسمح لدمشق بالتركيز على القضاء على مصادر أخرى من المعارضة.

 

وإذا فاز النظام بإدلب، فإنه سينظر إلى عفرين، وهي محافظة تسيطر عليها تركيا وهي جزء من مثلث الفرات. وتعد عفرين منطقة ذات أهمية استراتيجية تربط إدلب بإعزاز.

 

ويزن الأكراد السوريون رهاناتهم الآن. ويقول الواقع إنه بالاستناد إلى توازن القوى الحالي في سوريا، فإن الاستسلام الكردي أمر لا مفر منه.

 

وبعد أن عزز نظام "الأسد" موقعه في سوريا ما بعد الحرب، لن تكون "وحدات حماية الشعب" قادرة على تأمين حكم ذاتي كامل طويل الأمد في شمال شرق سوريا.

والسؤال الحقيقي الآن هو لمن تريد أن تستسلم "وحدات حماية الشعب"، وكم تريد أن تخسر؟ حسنا، بوجود تركيا منتصرة، ستواجه الميليشيات الكردية إبادة كاملة.

 

لكن مع وجود النظام على رأس السلطة، سيكون هناك مجال للتفاوض. وستضطر الميليشيات الكردية للتضحية بالدعم الأمريكي المحدود الذي يتلقونه وبعض الحكم الذاتي الذي يتمتعون به مقابل الحماية من الأتراك.

 

خلاصة القول، ستظل الميليشيات الكردية على قيد الحياة إذا كانت شريكة لروسيا والنظام.

 

وفي الوقت الحالي، سيستخدم الروس فقط إمكانية التحالف مع "وحدات حماية الشعب" لزيادة الضغط على تركيا.

 

ولن يتطور التحالف الكردي السوري الرسمي إلا في حالة تصاعدت حدة القتال بين الروس والأتراك.

 

وإذا حدث ذلك، فإن الوضع في إدلب سيصبح أكثر تعقيدا، حيث يواجه الأتراك جبهة برية موحدة أكثر قوة.

مقالات متعلقة