هل هناك دولا نجحت في مجابهة فيروس كورونا (كوفيد 19)؟.. سؤال يفرض نفسه على الساحة هذه الأيام، بعد الحديث عن وصول أكثر من دولة لمصل مضاد للفيروس، أو الإعلان عن تراجع أعداد المصابين والوفيات.
هناك تجارب ثلاث نجحت في مجابهة كورونا، واحدة في أوروبا هى ألمانيا، واثنتان في آسيا "سنغافورة وتايوان"، مع استبعاد الصين لأنها مصدر الوباء وكذلك الشكوك المتداولة حول أرقامها المعلنة..
وهذا بالطبع تقدير مبدئى، وليس تجاوزا للوقائع والأرقام اليومية، وليكن اتفاق على حقيقة واحدة بعد نهاية الوباء أن الدول التى ستنجح فى مواجهته سترسم عالم ما بعد كورونا.
- ارتبطت الفاعلية في مواجهة الفيروس بوجود مجتمع متماسك ودولة قوية، وكذلك الإسراع في تبني الإجراءات المشددة لوقف انتشاره ، مثل إغلاق الحدود ووقف الدراسة والفعاليات المختلفة، وحظر حركة الطيران، وهو ما ساعد سنغافورة وتايوان على السيطرة نسبيا على انتشاره، رغم القرب الجغرافى من مصدره في الصين.
- اتخذت سنغافورة إجراءات فورية مشددة منها وقف الرحلات الجوية مع عدة مدن صينية لمنع انتشار العدوى، فضلاً عن إجراء اختبارات لجميع مرضى الالتهاب الرئوي، وإعلان حالة الطوارئ.
- سارت تايوان على نفس المسار، وفرضت إجراءات مشددة للحجر الصحي.
- استفادت الدول الآسيوية مثل "سنغافورة وتايوان" كثيرا من خبراتها الطويلة والمتكررة مع الفيروسات مثل سارس في حين لم يحدث مثله في دول أوروبية، وهو ما ساهم كثيرا في مواجهة كورونا.
- الانضباط الآسيوى ساعد هذه الدول في فرض إجراءات الحجر الصحي، فهذه الخصوصية الثقافية منحت هذه الدول قدرة أكبر في فرض إجراءاتها.
- أما الحالة الألمانية فقد سجلت حضورا قويا في مواجهة الفيروس، رغم الارتفاع الكبير فى عدد الإصابات الذى تجاوز 100 ألف إصابة في حين سجلت وفيات حوالى 1.2 % حسب إحصاء قبل أيام، بعكس الدول الأوروبية الرئيسية الأخرى التي سجلت وفيات وصلت إلى 12% في إيطاليا.
- كفاءة النظام الفيدرالي الألماني للسيطرة على تداعيات انتشار المرض في بقاع الدولة، وبدا الأداء أفضل من مثيله في الولايات المتحدة.
-أدركت ألمانيا الخطر مبكرا فتمكنت من احتواء الجائحة وإدارتها بشكل أفضل، رغم أنها تحتل المركز الثالث عالميا من حيث نسبة كبار السن بعد اليابان وإيطاليا.
- تملك ألمانيا بنية صحية تحتية متطورة تُغطي كل مناطق البلاد، أتاحت لها إجراء اختبارات بمعدل 300 ألف إلى نصف مليون فحص أسبوعيا.
- فرضت ألمانيا الحجر الصحي على القادمين من منتجع إيشغل الشتوى النمساوي، أحد المصادر الرئيسية لانتشار الوباء في أوروبا.
- تعتمد ألمانيا في الأوقات العادية على 20 ألف سرير للإنعاش والعناية المركزة، رفعت هذا العدد بعد كورونا إلى 40 ألف سرير منها 30 ألف مجهزة بآلات التنفس، في حين أن عدد الأسرة المماثلة في فرنسا، لايتجاوز 5000 سرير قبل كورونا.
- يوفر النظام الصحى الألماني 6 أسرة لكل ألف نسمة تحتل بها المرتبة الثالثة عالميا، فيما تملك إيطاليا 2.75 سريرًا لكل ألف نسمة وإسبانيا 2.9 وفرنسا ثلاثة فقط.
- تمكنت ألمانيا من احتواء سلسلة الوباء الأولى " المريض صفر "، فقد استطاعت حصر الأعداد المصابة " 16 إصابة " من مخالطة موظف صيني يتنقل بين مصنعين فى بافاريا الألمانية ووهان الصينية.
- احتوت ألمانيا موجة الانتشار الثانية المدمرة،التى بدأت في نهاية فبراير من خلال الاختبارات وإجراءات الحجر الفوري للعائدين من منتجع التزلج في ايشغل النمساوية.
-العامل الثقافى لعب دورا في تقليل معدلات الوفيات، بسبب الفيروس، لأن 6 % فقط من الألمان " بين 30 و49 عاما " يعيشون مع والديهم مقابل 20% في إيطاليا.
التنسيق بين الدول
قسمت جائحة "كورونا" دول العالم إلى كيانات في زوايا متفرقة، كل منها يكافح الوباء بما يملك من موارد وامكانيات طبية وعلمية. بشكل جعل التنسيق الدولي لمجابهة الفيروس والقضاء عليه، شبه منعدمة حتى اليوم.
منظمة الصحة العالمية، حذرت في أكثر من مناسبة من خطورة انتشار الفيروس عبر الدول والقارات، إلا أن الدول والمنظمات الإقليمية والاقتصادية القائمة عبر العالم تأخرت في الاستجابة وبعضها لم يأخذ خطورة الفيروس على محمل الجد، قبل وأثناء توسع دائرة الإصابة حول العالم.
صحيفة "لا كخوا" الفرنسية، سألت عن سبب غياب تنسيق دولي لمكافحة فيروس رغم وجود خطر داهم واحد لكل شعوب العالم، وقد فتك فعلا بالالاف وما يزال؟
ونقلت الصحيفة عن خبراء، ان وباء "كورونا"، جعل كل دولة تضررت، تكافح بمفردها دون أي تعاون أو تنسيق يذكر.
وقال ديدييه بيليون، الخبير الفرنسي في العلوم السياسية ونائب مدير معهد العلاقات الدولية، انه عندما حذرت منظمة الصحة العالمية من الانتشار السريع في جميع أنحاء العالم، استمرت بعض الدول في السباق فيما بينها للحصول على الإمدادات الطبية"، ووصف الأمر بـ"الخطير".
الخاسر الأكبر من التنسيق
وحسب الخبير الفرنسي، فإن أكثر الدول تضررا من غياب "التنسيق الدولي" هي البلدان الأفريقية، خاصة الفقيرة منها، نظرا لكون تفشي الفيروس فيها، يعني معركة طويلة الأجل مع "كوفيد 19".
وأفاد ان غياب التنسيق الدولي لمواجهة الوباء قوى نزعة وحشية الأنظمة الاقتصادية لاستغلال الأزمة تجاريا، إشارة إلى الصين وروسيا.
ووفقا للصحيفة، فالمنافسة الدولية للحصول على المعدات الطبية وإنتاج لقاح، لمواجهة الزيادة الهائلة في عدد الإصابات بالفيروس، "أدت إلى زيادة أسعار المعدات، والتي يحصل عليها من يدفع أكثر".
وذلك ما بدا فعلا على أرض الواقع، حيث أعلنت عدة دول تضررت بشدة من الوباء، شرائها معدات ومقتنيات طبية من دول أخرى تسعى للاستفادة اقتصاديا من الأزمة الصحية العالمية، بحسب الصحيفة.