يرى العديد من المحللين والمتابعين الأمريكيين أن الولايات المتحدة تركع على ركبتيها في الوقت الحالي، بسبب فيروس كان يُعرف أنه قادم، مع أنها من أكثر الدول ثراء وتقدما.
ومثلت المفارقة السابقة فرصة لجملة من التساؤلات، أبرزها ركز على حقيقة فعالية التدابير الأمريكية للحماية من هذه المخاطر غير النمطية، وهناك انتقادات متصاعدة حاليا في الولايات المتحدة تشير إلى أن الإنفاق بشكل أساسي على الحروب والجيش لم يكن أمرا ذا حكمة، خاصة أن زيادة الإنفاق على البنتاجون كانت غالبا ما تترافق مع تقليص للإنفاق على الصحة.
وتقول المحللة الأمريكية "كاثرين لوتز"، تعليقا على هذا الأمر: لعل جزء من سبب وجودنا في هذا المأزق هو أننا فرّغنا نظام الصحة العامة الأمريكي لصالح الإنفاق العسكري.
الإنفاق الحربي
وتضيف، في تحليل نشرته مجلة "ذا هيل": بدلاً من وضع الأموال في مكافحة الأمراض أو تخفيف المعاناة، أنفقت الولايات المتحدة مبالغ هائلة على مدى العقدين الماضيين في الحرب والاستعداد للحرب.
وبحسب "لوتز"، تشير أولويات الميزانية الفيدرالية الأمريكية إلى التركيز على الإنفاق العسكري مع ضمور في ميزانية الصحة العامة والتعليم والبنية التحتية، وفي كل عام، يخصص الكونجرس الغالبية العظمى من الموازنة لوزارة الدفاع، وبرنامج الأسلحة النووية في وزارة الطاقة، ولرعاية المحاربين القدامى.
وتردف، ملخصة وجهة نظرها: "خزنت الولايات المتحدة آلاف الأسلحة النووية ولكن ليس لديها ما يكفي من أجهزة التنفس".
ويرى المحلل "نيتا سي كروفورد" أنه منذ 11 سبتمبر 2001 ألقت كل إدارة أمريكية المزيد من الأموال على "البنتاجون"، حيث تقترب الميزانية العسكرية الحالية من ضعف ما كانت عليه في عام 2000.
ووفقًا لتقديرات مشروع تكاليف الحرب في معهد "واتسون"، فإن تكلفة الحربين في العراق وأفغانستان منذ عام 2001 تبلغ الآن أكثر من 6 تريليونات دولار.
ولوضع ذلك في السياق، بلغت مخصصات هذا العام لإدارة الغذاء والدواء، ومراكز السيطرة على الأمراض المعدية والوقاية منها، والمعاهد الوطنية للصحة معًا 48 مليار دولار، أي أقل من 1% من تكاليف الحروب.
ميزانية "ترامب"
تعرضت ميزانية إدارة "ترامب" للسنة المالية 2021 لانتقادات واسعة حيث اتخذت خيارا غير مناسب بإضافة المزيد من الأموال إلى ميزانية البنتاجون وخفضها من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، بما في ذلك مركز السيطرة على الأمراض والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ. يبلغ إجمالي الميزانية المرتبطة بالحرب المقترحة للسنة المالية 2021 حوالي 1.2 تريليون دولار.
في الوقت الحالي، لا يولي الإنفاق على الأمن القومي الأهمية للحماية من الأشياء التي يرجح أنها تقتل الأمريكيين مثل الأوبئة ومنتجات التبغ وحوادث السيارات.
وبدلاً من أبحاث الصحة والسلامة، يركز البحث العلمي العسكري على أشياء مثل تعزيز قدرة الطائرات المقاتلة الأمريكية على تجنب كشفها من قبل الرادارات.
ولعبت العديد من الوسائل مثل ألعاب الفيديو، والإعلانات، والعروض المختلفة، في تعليم كل جيل جديد أن أمريكا تمتلك قوة صلبة قاهرة.
وبينما يقوم الجيش بأبحاث صحية متطورة، فإنه يقوم بها على إصابات الحرب المؤلمة، وليس ضد انتشار العدوى المجتمعية. للتعامل مع هذا الوباء، يجب توجيه الموارد العامة الآن، نحو الحلول المدنية لتحديات الصحة العامة.
ويرى المحللون أنه بالظهور "كرئيس في زمن الحرب"، قد يمثل ذلك أفضل فرصة لـ"ترامب" لإعادة انتخابه في مواجهة الانهيار البيولوجي والمالي.
ويؤكدون أن الحرب سبب رئيسي لهذه الأزمة، مع ضعف الرعاية الصحية العامة والتركيز على منظومة تصنيع أكثر ملاءمة لبناء القاذفات من أجهزة التنفس.
ويختم "سي كروفورد" كلامه بالقول: وبينما نتطلع إلى البقاء على قيد الحياة في العام المقبل، نحتاج إلى الذهاب إلى ما وراء الرعاية الطارئة وأن نعيد التفكير بشكل أساسي في ما يعنيه الأمن القومي في الوباء التالي، وأن لا نصل إلى النضال من أجل ما يكفي من "الكمامات" لحماية طواقمنا الطبية وأن لا نأمل من الجيش أن ينقذنا.