قبلاتٌ وأحضان لم يعد لها مكان، وباتت في طي النسيان في هذا الزمان، فليس مسموحًا بها الآن، نظرًا لأن الضريبة قد تكون كبيرة للغاية وتُكلفك حياة حبيبك لك وغالي، بنقل عدوى "كورونا" له دون أن تدري.
"النسبة الأكبر من تعداد الضحايا من كبار السن.."؛ عبارةٌ ظلت تجري منذ اللحظة الأولى على لسان المسئولين في كل مكان، جعلت القلوب تخفق معها خشيةً أن يدفع أحدهم اي من أفراد عائلته إلى حافة القبر.
فخلف شاشة صغيرة بات يجتمع الأهل والأحباب، في وقت اضحى كل طرف يتنجب الزيارات، فحلت التطبيقات الخاصة بغرف الدردشة المصورة بديلًا مؤقتًا لاجتماع "العيلة" لحين عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل "كورونا".
تصوير: محمود إبراهيم ندى
"ماما وحشتني"؛ عبارة جرت على لسان هبة مصطفى، التي لم تعد تذهب لبيت والدتها منذ دخول "كورونا" مصر، فتقول: "خايفة اروح رغم كل الاحتياطات اللي باخدها وانقل لها العدوى باي شكل بس في نفس الوقت مش متعودة افضل الوقت ده كله من غيرها ما اروح اقضي معاها يوم في الأسبوع".
فـ "هبة" التي لا يبعد بيتها عن محل سكن والدتها الكثير، إلا أن ما ينشر من أخبار حول الوباء، جعلها تُنحي فكرة التوجه لزيارة والدتها جانبًا، واكتفت باتصالات هاتفية بصفة يومية، كي تطمئن على أمها من نبرات صوتها.
المشهد الذي لم نعتده من قبل؛ قرر محمود ابراهيم ندى، أن يستغل خبرته في مجال التصوير ويوثقه بعدسته، في صور تعكس حياة بسيطة تدور في بيوت الكثيرين، ومع والدته ايضًا.
سيدة بسيطة تُشبه امهات الكثير منا، وضعت هاتفها الذي بات وسيلة التواصل شبه الوحيدة بينها وبين ابنتها وحفيدها، الذي اطل عبر الشاشة الصغير، -كما يبدو من الصورة- .
تصوير: محمود إبراهيم ندى
يقول "محمود": جميع مصوري العالم يغطون فترة العزل كلٌ بالزاوية التي يراها، وكأي مصور وسط هذه الأحداث تجذبه المشاهد غير المألوفة، وهو ما حدث معي أثناء مكوثي داخل البيت برفقة والدتي.
مُضيفًا: حينها وقعت عيني على زاويا جديدة أثناء العزل بطلتها والدتي، فقررت توثيقها بعدستي، فالقصة بدأت حينما طالت مدة غياب شقيقتي حيث قاربت حينها على الشهر ولم تتمكن امي من رؤيتها هي واحفادها، بسبب الفيروس الذي الزم الجميع منازلهم.
وكانت وسيلة الأم الخمسينية الوحيدة للتواصل في ظل تلك الأوضاع التي تعيشعها البلاد والعالم هو اللجوء "الفيديو كول"، ومن هنا ولدت الفكرة ولمعت في خيال "محمود"، وسجلتها عدسته في مشاهد بديعة وبسيطة جذبت انظار كل من وقع عينه عليها.
تصوير: محمود إبراهيم ندى
أما إيمان محمد، فحملت برنامج على هاتفها المحمول، يحمل اسم جوجل ديو، يُمكنها من الجلوس مع والدتها وباقي أفراد اسرتها، من خلف شاشة صغيرة يتبادلون الحديث وكأنهم يجلسون معًا في بيت واحد، ولكنها علقت قائلة: "بس مفتقدة الروح برضه".
وتابعت: والدتي مناعتها ضعيفة، ويعيش معها شقيقي، ورغم هذا فهي تمكث غرفة مخصصة لها بالبيت، لا تخرج منها إلا للضرورة، وهناك قواعد وضعناها كي يلتزم بها اخي، حينما يأتي من الخارج، منها أن يعقم نفسه جيدًا ويترك حذائه خارج البيت، ويدخل على دورة المياه مباشرة ليستحم، ويترك ما جلبه حاجيات في جانب واحد.
واضافت: يدخل بعدها المطبخ حيث تكون أمي قد تركت له وجبة الغداء، فرغم وجودهما في منزل واحد إلا أن مائدة الطعام لا تجمعهما معًا.
في حين دفع الحنين نورهان محسن، إلى قطع الحجر، وقادتها قدميها إلى حيث تقطن والدتها وقررت أن تمكث معاها لبعض الوقت على أن يكون السلام "من بعيد لبعيد"، واخبرتنا أنها كل فترة تحضر ما تحتاجه والدتها من حاجيات وتضعه لها في السبت.
لم يكن الماكثون مع والديهم افضل حالًا من الأبناء المتزوجون ممن اعتادوا على زيارة الأهل كل فترة قصيرة، فـ "سهى عبد الرحمن" اخبرتنا أنها تعيش في بيت الأسرة ولكن نظرًا لنزولها العمل 5 أيام في الأسبوع، فإنها تتعامل عن بعد مع والدتها مريضة القلب، وتتخذ كافة الاحتياطات التي نصح بها الأطباء، واختتم قائلة: "بناخد بالأسباب وربنا يسلم الجميع".