صعوبات وبطولات.. طبيب يروي لـ «مصر العربية» كواليس رمضان من قلب العزل

الطبيب الموجي في حجر مستشفى اسوان

بعد يوم شاق جلس كل واحد منهم  منفردًا يتناول إفطاره في أول أيام رمضان، على غير العادة بعيدًا عن أجواء الأسرة والأهل، نظرًا لظروف إقامتهم الطويلة في العزل لرعاية  المصابين بفيروس كورونا. 

 

طقسٌ حار ومبردات هواء لا تُفتح منعًا لانتشار الوباء، وسط صيام لساعات طوال، فضلًا عن ملابس واقية  يتصبب من تحتها العرق، ولكن لا غنى عنها  يتم ارتداؤها فوق ثيابهم باستمرار،  كإجراء وقائي مُتبع أثناء التواجد في مثل هذا المكان.

 

هكذا مرت  أول أيام رمضان على  الطبيب محمد سعيد الموجي،  المنتدب في الحجر الصحي  لمرضى كورونا في مستشفى أسوان، حسبما روى لـ "مصر العربية"، حيث أخذ يسرد علينا كيف مر عليهم أولى الأيام الرمضانية داخل العزل.

 

 

"الموجي" صاحب الثلاثين عامًا، الذي يؤمن بما يقوم به  في هذا الظرف الصعب، بدأت مهمته في الحجر منذ نحو اسبوعين، بعد انتدابه للعمل بمستشفى عزل أسوان في اطار تخصصه كطبيب نفسي اسندت إليه  مهمة ليست بيسيرة ولا تقل في أهميتها عن باقي مهام زملائه من أبطال الجيش الأبيض، حيث عكف خلال تلك المدة وحتى الآن على متابعة الحالة النفسية لمرضى كورونا والفريق الطبي أيضًا الذي يعمل تحت ضغط نفسي وبدني. 

 

"درجة الحرارة فى أسوان النهاردة عدت ٤١ ، و احنا صايمين، و ممنوع نشغل مروحة أو تكيف علشان العدوى متتنقلش، و لابسين الحاجات إللى حضرتك شايفها دى، الحياة جواها زى الفرن كده، و الحمد لله صابرين و نفسنا الأزمة تعدى ...لكن أرجوك أرجوك ساعدنا واقعد فى بيتك، حافظ على نفسك، بعد شوية النظام الصحى مش هيستحمل، لو مليت و زهقت حاول تنظم يومك و تقضيه فى اى حاجة، نام يا سيدى، بس بلاش استهتار و لو طلعت اطلع لضرورة و خد حذرك، القعدة هنا اصعب من زهق البيت كتير"،  كلمات وصف بها "الموجي" كيف مر اليوم الأول عليهم في أول يوم برمضان واصفًا الأجواء وتلك المشقة التي يتكبدها الأطباء. 

 

 

نبطشيات وتحمل شفتات ..  هي طبيعة عمل  اعتاد عليها الأطباء  قبل "كورونا" ولكن ما اختلف بحسب "الموجي" هو طول المدة  التي يقبعها الفريق الطبي داخل الحجر الصحي.

 

حيث تابع قائلًا: فالطبيب يقبع اسبوعين متتاليين داخل مستشفى الحجر يمارس اعماله يعقبهما مدة ممثالة يكون تحت العزل الذاتي كإجراء احترازي تحسبًا ن أن يكون الفيروس قد انتقل إليه، اي  أنه يظل طيلة شهر كامل على الأقل  بعيدًا عن الأهل وحياته اليومية التي اعتاد عليها، وهو ما تسبب في أن كثيرًا من أطباء الحجر لم يقضوا أول أيام رمضان برفقة احبائهم.

 

أخبرنا "الموجي" أن  رمضان هذا العام كان متواجدًا في مستشفى أسوان  يتناول الافطار بمفرده بعيدًا عن أسرته، ولا حتى زملاءه في المكان قائلًا: "نحاول اتباع ارشادات التباعد الاجتماعي، فنحن لسنا مسئولين فقط عن حياتنا ولكن عن أحبابنا ايضًا الذين سنعود لهم ذات يوم . 

 

لم تكن صعوبة اليوم الأول بالنسبة لـ "موجي" تقتصر على تناوله وجبة افطار وسحور رمضان بمفرده، ولكن كانت المشقة الأكبر في صيام امتد لساعات في ظل طقس حار دون مكيفات،  حيث يقول: لازالت تتم الأبحاث حول العالم لاكتشاف الفيروس، ولكن بعض اشار إلى احتمالية انتشار كورونا في الأجواء الرطبة، وهنا تقرر عدم فتح مبردات الهواء كإجراء احترازي في محاولة للحد من انتشار الوباء، فضلًأ عن أن التكيفات المركزية بالمستشفيات يكون الهواء مشترك فيما بين الغرف حسبما قال البعض. 

 

وأضاف: فإذا دخل اي منا إلى غرفة مريض لابد أن تكون النوافذ مغلقة لمنع وجود اي تيار هواء يسمح بانتقال كورونا، في ظل  ملابس واقية  نرتديها مثل السونا تجعل العرق يتصبب منا في هذا الحر، وتزامنًا مع توقف المكيفات، وهو الأمر الذي تعكف الادارة على ايجاد بدائل وحلول له  سواء بوضع فلاتر معينة للتكييفات أو غير ذلك من الحلول. 

 

الفريق الطبي هنا داخل حجر اسوان ارتبط نفسيًا مع الحالات فتجده محلقًا في السماء  مثل الصغار فتجده  حينما تتحول حالة أحد المرضى من ايجابية لسلبية والعكس إذا ما تتدهورت حالة آخر أو فارق الحياة، حيث يقول "الموجي": فهنا يأتي دورنا بتخفيف الضغط النفسي الذي قد يتملك الأطباء أو المرضى، وأن نجعل تلك الفترة العصيبة تمر عليهم بسلام.  

 

عقب انتهاء اليوم الشاق يخلد "الموجي" إلى النوم في غرفة تتسع لشخصين، ينام كل منهما على مسافة كافية من الآخر "خلف خلاف" . 

 

لم ينس العاملين في مستشفى أسوان استحضار الأجواء الرمضانية بتعليق الزينة والفوانيس، في محاولة لبث بعض من روح تلك الليال داخل الحجر. 

 

على الجانب الآخر؛ ابدى "الموجي" انزعاجه من تنمر  الذي يتزايد مع الوقت تجاه الأطباء والتمريض بصفة خاصة، حينما ينهون مدة انتدابهم ويعودون لأهلهم، حيث يقول:  الكثير منهم يتعرضون للأذى النفسي ظنًا من الآخرين أنهم سينقلون لهم العدوى،  وهو الأمر الذي  يدفع بعضهم للعودة، ومواصلة العمل بدلًا من الراحة لتجنب ما يقرع اذانهم من كلام. 

 

وهنا بعث "الموجي" برسالة قائلًا: ليس من المنطقى أن تعرض الفرق الطبية انفسها واهلها للخطر، من أجلك ويكون المقابل هو التعامل مع البعض منهم بهذه الصورة. 

 

 

"بابا حبيبي وحشتني .. يا رب ترجع بالسلامة" رسالة بعثت بها الصغيرة ابنة الموجي لوالدها ، بخط جميل ينم عن عمرها، ولكن الأجمل هي الروح والمشاعر التي حملت الكثير من المعاني بين ثنايا هذه الكلمات. 

 

 

مقالات متعلقة