عالم ما بعد كورونا.. ما الذي سيتغير وما الذي سيظل ثابتًا؟ (تحليل)

عالم ما بعد كورونا

لن تكون السياسة الدولية والنظام العالمي كما كانا قبل لعنة "كورونا"، وبالرغم أن هناك تغييرات ستحدث بلا شك، فإن هناك ثوابت لا يمكن للوباء الحالي أن يغيرها.

 

أدى اندفاع الصين لتصبح أكبر اقتصاد في العالم وأكثر الدول نفوذًا إلى تصادم سريع، ولكن بسبب الفيروس التاجي، سيتم إعادة تقييم سلاسل التوريد بشكل عام، وسيقل الاعتماد على الصين، وستنمو الضغوط لاحتواء تجاوزات العولمة.

 

على الصعيد المحلي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني رعاية صحية شاملة حقيقية، وتكثيف الهجمات على العنصرية والفقر، حيث إن قطاعا كبيرا من مقدمي الرعاية الصحية الذين يبقون عشرات الآلاف من الأمريكيين على قيد الحياة، بالإضافة إلى الأشخاص العاملين الذين يحافظون على قطاعات كبيرة من الاقتصاد هم من أصول أفريقية ولاتينيون ومهاجرون جدد، ولا يمكن لقطاعي الرعاية الصحية والخدمات في الولايات المتحدة أن يعملا دون تضحياتهم.

 

تغيير غير اقتصادي

 

تلقت الصين ضربة سياسية أيضًا حيث أثار أداؤها في بداية الأزمة، بالإضافة إلى التساؤل حول مصدر الفيروس، مخاوف بشأن مصداقيتها السياسية، فمن يثق في الاعتماد على بلد لا يرغب في التصرف بشكل مسؤول على المستوى العالمي؟

 

يمكننا أن نرى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في قالب مماثل، لكن في الخارج لا تزال هناك ثقة متبقية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إمكانية إزاحة "ترامب" من منصبه عبر الانتخابات.

 

ولكن الوباء سيؤدي إلى الحذر حول استعداد الصين لأن تكون رائدة عالميا بطرق غير اقتصادية، قد تكون التداعيات الحالية على سمعة الصين مؤقتة، لكنها في الوقت الحالي تصحيحية مفيدة.

 

ويرى المحلل "روبرت إي هانت"، من مركز "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأمريكي أن العديد من الحقائق الملموسة للقوى العالمية لن تتغير، حيث تنتج الصدمات الأساسية للنظام الدولي عادة من حروب كبيرة، كما حدث بعد حربين ساخنتين في القرن الماضي وحرب باردة، لكن جائحة الفيروس ليس بهذا الحجم؛ سوف تتغير الهياكل الأساسية للسلطة والعلاقات ببطء.

 

استمرار هيمنة الدولار

 

ويقول "إي هانت" أن الدولار الأمريكي سيستمر كعملة عالمية، وتمنح هذه الحقيقة الولايات المتحدة أيضًا فوائد كبيرة وتساعد في دعم دورها العالمي، باعتبارها الدولة الوحيدة التي يمكنها تخفيض ديونها الوطنية من خلال التضخم ودفع فواتيرها للآخرين مع رسوم ورقية على السلع والخدمات المستقبلية.

 

ومن شبه المؤكد أن الولايات المتحدة ستستمر في كونها رائدة العالم في إنتاج الأفكار، وكذلك "الملاذ الآمن" التعليمي للناس حول العالم، كل هذه العوامل تساعد على إنتاج شعور بالاستقرار في النظام العالمي.

 

على النقيض من ذلك، ستستمر الصراعات الحالية على السلطة داخل البلدان وفيما بينها، بالرغم من فيروس "كورونا" المنتشر حول العالم، تستمر العديد من هذه الأنشطة والتفاعلات بين البلدان وهكذا، بينما تتعاون روسيا مع الآخرين ضد الفيروس فإنها تسعى بنشاط أيضًا لتحقيق طموحاتها، لا سيما في أوروبا والشرق الأوسط.

 

ستستمر منطقة الشرق الأوسط أيضًا تقريبًا كما كانت من قبل، لن يهدأ الإرهاب، من سوريا إلى أفغانستان، ستتنافس الدول والجماعات على التفوق كما لو لم يحدث شيء، لن تختفي المواجهة بين إيران وجيرانها والولايات المتحدة، وستظل مخاطر الحرب المفتوحة قائمة.

 

حتى الآن، يدافع وزير الخارجية الأمريكية "مايك بومبيو" عن حملة "أقصى ضغط" ضد إيران، وقد ادعى أن طلب إيران الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار للتعامل مع الفيروس كان خداعًا، وعرقلت واشنطن بالفعل القرض بالرغم أن القيود المفروضة على قدرة إيران لمواجهة "كورونا" ساعدت على انتشاره إلى أماكن أخرى، حتى إلى الولايات المتحدة.

 

لن تتغير جوانب أخرى من السياسة العالمية، في حين أن هناك آمالًا في بذل جهود كبيرة ومنسقة للتحضير لأي وباء مستقبلي، فمن السابق لأوانه الثقة في أن يتم ذلك، تم تقديم مقترحات مفيدة، ولكن المتابعة غير مؤكدة.

 

في هذه الأثناء، لا يزال الاتحاد الأوروبي، الذي يحتمل أن يكون له تأثير إيجابي في النظام العالمي، أقل من أن يصبح قوة رئيسية ومستقلة، ومن غير المرجح أن تتضاءل صراعاته الداخلية، ما يضعف قوته ونفوذه.

 

إن تماسك الاتحاد الأوروبي مهدد ليس فقط بسبب عدم كفاءة قيادته، ولكن بسبب "بريكست" والانفتاح غير المدروس على بعض دول أوروبا الوسطى التي لم تكن مستعدة للعضوية، والهجرة الناجمة بشكل رئيسي عن الآثار اللاحقة للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

 

الإنفاق العسكري

 

أثبتت أزمة الفيروس أن الاستعدادات العسكرية مبالغ فيها وبالرغم من ذلك لا تصلح للتعامل مع أخطر التهديدات اليوم، لكن سيظل من الصعب تحويل الموارد من ميزانية الدفاع الأمريكية إلى مجالات أخرى تحتاج إليها، ولا سيما الصحة والتعليم والبنية التحتية.

 

سيستمر التأثير السياسي للقطاع العسكري الصناعي في الحد من قدرة الولايات المتحدة على تكريس الموارد والاهتمام بالدروس المستفادة من الوباء.

 

تغير المناخ

 

لا يوجد سبب وجيه لتوقع أن تؤدي أزمة الفيروس إلى بذل جهود أكبر في التعامل مع التحدي الوجودي الحقيقي: تغير المناخ، سيستمر الحديث، ولكن من شبه المؤكد أن العمل الحقيقي سيكون غير كاف.

 

كانت الأهداف المحددة في اتفاقية باريس لعام 2015 للحد من انبعاثات الكربون قليلة جدًا ومتأخرة جدًا، ولم تؤخذ على محمل الجد من قبل أكبر الاقتصادات في العالم.

 

إن أزمة الفيروس هي في الواقع بروفة لأزمات تغير المناخ الأكثر صعوبة، لسوء الحظ، فإن "جرس" اليوم لم يحفز الدول الكبرى على اتخاذ خطوات عملية للتعامل مع تغير المناخ.

مقالات متعلقة