بعد كورونا.. هل تبدأ «صينوفوبيا» بدلا من «الإسلاموفوبيا»؟

كورونا أقلقت الغرب من الصين

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تم الترويج إلى الإسلام باعتباره التهديد الوجودي القادم للولايات المتحدة والغرب، وعلى هذا الأساس تشكل منحنى صراع الحضارات في السنوات الماضية، لكننا يبدو الآن على موعد مع تغير كبير سيطال هذا الجدار، وقد تحل الصين محل المسلمين.

 

الأمر ليس به ثمة مبالغة، فالسطور السابقة باتت محور تحليلات متزايدة خلال السنوات القليلة الماضية، باعتبار أن التهديد الذي باتت تشكله الصين لا يمكن السكوت عليه، حيث امتلكت بكين سريعا مفاتيح التأثير في العالم بشكل هدد العرش الأمريكي والتفوق الغربي.

 

لكن أزمة جائحة "كورونا" أضافت بعدا خطيرا للأمر، وزادت من تسريع وضع الصين كعدو وجودي جديد للغرب.

 

نفس الأشخاص والمؤسسات

 

يقول الصحفي البريطاني الشهير "بيتر أوبورن"، إن الصين يتم تقديمها الآن على أنها العدو الوجودي الجديد، تمامًا كما كان الإسلام قبل 20 عامًا، ويتم ذلك بواسطة نفس الأشخاص ونفس المعلقين في الصحف، ونفس المؤسسات الفكرية، ونفس الأحزاب السياسية، ونفس وكالات المخابرات.

 

وبالتزامن مع ذلك، يرى "أوبورن" أن العداء للمسلمين بدأ يخفت في الغرب،  في أعقاب مأساة الفيروس، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التضحيات التي قدمها المسلمون، خاصة في بريطانيا واضحة للغاية، وكانت كبيرة جدًا لدرجة أن هذا قد يؤدي إلى تغيير متأخر في المواقف العامة، كان أول 4 مسعفين يموتون بسبب تفشي المرض من المسلمين.

 

لكن هناك عامل ثان: أن جائحة الفيروس تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية، الغرب يحب، وربما يحتاج، لوجود عدو واضح وآخر هدف هو الصين.

 

ويضيف الصحفي البريطاني: بعد كتاب "صامويل هنتنجتون" الشهير، "صراع الحضارات، والذي قاد الاتهام ضد المسلمين أو ما يسمونه غالبًا "بالإسلام الراديكالي"، تحولوا الآن إلى الشرق الأقصى.

 

وقد بدأ الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الآن في مهاجمة الصين، تماما كما هاجم سلفه الجمهوري "بوش" العراق في عام 2003 و"محور الشر" قبل 20 عاماً، خلال حملته عام 2016، اتهم "ترامب" الصين بـ "اغتصاب" الاقتصاد الأمريكي.

 

تسارع الهجمات

 

ومع ذلك، منذ انتشار "كورونا" اكتسبت هجمات "ترامب" المزيد من السرعة حيث اتهم الصين بالتستر على الفيروس والكذب بشأن حصيلة القتلى.

 

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أوقف "ترامب" حتى الأموال الأمريكية لمنظمة الصحة العالمية، واصفا إياها أيضا بأنها "تتمحور حول الصين"، حيث قامت الصحف البريطانية، التي كانت تغطيتها ضد المسلمين، بالتحول إلى الخطر الصيني.

 

هل تذكرون صحيفة "ذا صن" التي روجت لغزو العراق عام 2003؟.. لقد نشرت الآن  قصة حول تقرير يدعي أن الفيروس طورته الصين عمداً لإثبات أنها أكثر قدرة من الولايات المتحدة في مكافحة الأمراض الفتاكة.

 

جهة ثالثة أخرى بدأت تدخل على خط شيطنة الصين، وهي وكالة الاستخبارات البريطانية "إم آي 6"، وهي التي لعبت دورا محوريا في قضية هجوم "بلير" المفجع على العراق باستخدام مزاعم حول أسلحة الدمار الشامل.

 

 الآن، باتت الصين في مرمى الهجوم أمام الاستخبارات البريطانية.

 

يقول "أوبورن": فاجأني رئيس "إم آي 6" السابق، السير "جون ساويرز" كثيرًا في حديث لبرنامج "توداي" على "بي بي سي"، بإبداء التعاطف مع سحب "ترامب" للتمويل من منظمة الصحة العالمية.

 

وقال "ساويرز": "هناك غضب عميق في أمريكا بشأن ما يرونه أنه حل بنا جميعا من قبل الصين، وتتهرب الصين من قدر كبير من المسؤولية عن نشأة الفيروس".

 

وينظر في بريطانيا، دائمًا إلى خطابات رؤساء المخابرات السابقين على أنها تمثل وجهة النظر الحالية داخل بلاط الحكم.

 

من ناحية أخرى، قال رئيس الوزراء البريطاني بالإنابة "دومينيك راب" إنه بعد الفيروس لن يكون هناك شك في أنه لن يكون العمل كالمعتاد مع الصين.

 

أيضا هناك "ميلاني فيليبس"، وهي من كبار كتاب الأعمدة في الصحف، ومنتقدة منذ فترة طويلة لما يسمى بـ"الإسلام الراديكالي"، والتي استخدمت عمودها في صحيفة "التايمز" لتحذير الغرب أنه لم يعد بإمكانه غض الطرف عن الصين.

 

وكانت جمعية "هنري جاكسون" واحدة من أكثر الجهات انتقادا لما تصفه بـ"الإسلام الراديكالي" أو "الإسلاموية"، والآن، تنشر سلسلة من التقارير التي تهاجم الصين، والواقع أن هجماتهم على الصين في الأشهر الأخيرة ازدادت أضعافا مضاعفة.

 

وكان آخر استطلاع أجرته (والذي شكّل أساس مقال "تايمز" الأسبوع الماضي) قد أظهر أن أكثر من 80% من البريطانيين يريدون من "بوريس جونسون" الضغط من أجل تحقيق دولي في تعامل الصين الأولي مع  تفشي الفيروس.

 

ويستحضر "أوبورن" هنا جزءا من كتاب "صراع الحضارات" لـ"صامويل هنتنجتون"، قائلا إن الكتاب يحذر من أن "خطوط الصدع بين الحضارات ستكون خطوط معركة المستقبل"، ولا يتعلق فقط بالحضارة الإسلامية.

 

وقد حذر "هنتنجتون" من حضارة "منافسة" ثانية إلى جانب الإسلام، ووفقا لـ"هنتنجتون" كانت الصين أقوى تهديد طويل الأمد للغرب.

 

ويختتم الصحفي البريطاني الشهير تحليله، قائلا: "ربما نكون قد وصلنا الآن إلى نهاية الفترة الطويلة التي كان يتم اتهام الإسلام فيها باعتباره المسؤول عن الخلل الرئيسي في العالم".

مقالات متعلقة