قدمت دول الخليج مساعدات إنسانية كبيرة للعديد من الدول خلال أزمة "كورونا"، بالرغم من الضربة الشديدة التي عانت منها اقتصاداتها، خاصة بسبب تعليق الرحلات الجوية وانهيار أسعار النفط.
مدت دول الخليج يدها بشكل ملحوظ إلى إيران، ما يشير إلى أن بعض قادة الخليج قد يرغبون في العمل من أجل تعاون إقليمي أكبر في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
وخصصت السعودية حزمة مساعدات بقيمة 525 مليون دولار لليمن، معلنة عن وقف إطلاق نار من جانب واحد لمنع تفشي الفيروس في بلد يمثل هدفًا مثاليًا للعدوى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحرب التي شنتها المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، أرسلت معظم دول الخليج مساعدات كبيرة إلى بكين، حيث تبرعت الكويت بقيمة 3 ملايين دولار من المستلزمات الطبية، كما قدمت الدوحة والرياض وأبوظبي المساعدة أيضًا.
علاوة على ذلك، عرضت الكويت 40 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية للمساعدة في مكافحة انتشار الفيروس، وأرسلت قطر مساعدات إلى إيطاليا ولبنان وغزة، وأرسلت الإمارات مساعدات إلى اليونان وإثيوبيا والصومال وغيرها.
وتشير هذه الدبلوماسية الإنسانية لدول الخليج في زمن "كورونا" إلى بعض الاتجاهات المثيرة للاهتمام في سياساتها الخارجية المتطورة.
نهج خليجي متجدد
بالنسبة لدول الخليج، فإن تقديم الإغاثة الإنسانية خارج حدودها ليس أمرا جديدا، وتاريخيا، كان ذلك أداة هادئة لسياساتهم الخارجية داخل الشرق الأوسط.
وفي حين ساهمت دول الخليج بالفعل بنسبة 1.5% من ناتجها المحلي الإجمالي في المساعدات الخارجية في السبعينات، فإن مساهمات دول الخليج في المساعدات الإنسانية العالمية ارتفعت من 1% في عام 2000 إلى 7% في عام 2014.
كانت المساعدات الإنسانية بمثابة أداة للقوة الناعمة تستهدف المجتمعات الإسلامية، وكانت موجهة بشكل عام إلى إلى الشعوب التي تربطها بها روابط ثقافية أو دينية مشتركة، بما في ذلك خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على سبيل المثال، أجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
دوائر جديدة
لكن الملاحظة الجديدة التي تتحدث عنها "إيما سوبرير"، الباحثة الزائرة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، هي أن المانحين الخليجيين شرعوا في تقديم مساعدات خارج تلك الدائرة، وكان أبرزها إلى الصين لمكافحة تفشي فيروس "كورونا"، وهو ما يمكن أن يكون علامة على تطوير الهدف في إطار استمرار العمل الدبلوماسي، كما أن تكثيف قنوات التعاون بين دول الخليج والصين قد يشير إلى تنامي القوة الناعمة لبكين داخل دول الخليج.
أما الملاحظة الثانية، بحسب "سوبرير"، فهي أن الأزمة الحالية لديها القدرة على إحياء أنماط السياسة الخارجية الخليجية التي سبقت الربيع العربي عندما كانت أولوية قادة الخليج هي الوقوف متحدين في مواجهة التهديدات المشتركة.
وخلال عقد من الزمان، دفعت التحولات المجتمعة على المستوى الدولي (الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008) والمستوى الإقليمي (الانتفاضات السياسية) دول الخليج العربية إلى تبني سياسات حازمة ومنافسة، كان العمود الفقري فيها مساعدتها الخارجية للمجموعات المختلفة المتنافسة في الفراغ السياسي الذي نشأ في العديد من البلدان في أعقاب الربيع العربي.
وكانت إحدى النتائج الرئيسية لهذه التنافسات هي إضعاف مجلس التعاون الخليجي، وأدى الخلاف الدبلوماسي في يونيو 2017 الذي وضع السعودية والإمارات والبحرين ضد قطر إلى زيادة إظهار هشاشة مجلس التعاون الخليجي، حيث فشل في تسهيل المفاوضات بين الدول الأعضاء.
ومع ذلك، يبدو أن أزمة "كورونا" وفرت اليوم فرصة لقادة الخليج للعودة إلى الأنماط التقليدية للمساعدات الخارجية، وتنفيذ سياسة أقل تركيزًا على الأهداف المتنافسة وأكثر على المصلحة المشتركة لمحاربة انتشار الفيروس.
من النتائج الثانوية المحتملة لذلك أنه يمكن أن يساعد في تخفيف النزاعات في دول الجوار، وتجدر الإشارة إلى أنه تم عقد عدد من اجتماعات لدول مجلس التعاون الخليجي بمشاركة افتراضية لجميع الدول الأعضاء مؤخرًا.
وفي جهد مشترك لتحديد الإجراءات المضادة للفيروس، اجتمع جميع وزراء المالية في دول مجلس التعاون الخليجي في 23 مارس الماضي، ووزراء التجارة في 2 أبريل، ووزراء الداخلية في 7 أبريل.
بالطبع، يمكن للمساعدات الإنسانية خلال الأزمة الحالية، أن تصبح مجالًا جديدًا للمنافسة بين دول الخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات.
مساعدات وفق الاستراتيجيات
أما الملاحظة الثالثة والأخيرة فهي أن الخيارات المختلفة لقادة الخليج فيما يتعلق بالبلد الذي سيساعدونه في مواجهة الوباء العالمي تميل إلى تأكيد الأهداف الاستراتيجية المتباينة لكل دولة.
فقد قدمت الكويت أموالاً للمنظمة الدولية التي تنسق الاستجابة العالمية للوباء بينما تتجنب التصريحات السياسية.
وتماشياً مع اهتماماتها الاستراتيجية، ركزت السعودية جهودها على اليمن، وفعلت قطر ذلك مع دول الشرق الأوسط التي لديها بالفعل تاريخ من الدعم معها.
وفي الوقت نفسه، قدمت الإمارات المساعدة لمجموعة واسعة من الوجهات، خاصة في القارة الأفريقية، بطريقة مماثلة لاستخدام الصين للقوة الناعمة.
وتقول "إيما سوبرير": يبقى أن نرى ما إذا كانت الضربة المزدوجة لاقتصادات دول الخليج العربية ستجبرهم على إعادة النظر في مقدار المساعدة التي يمكنهم تقديمها في الخارج، بينما سيحدد الوقت ما إذا كانت التلميحات الصغيرة للعودة إلى التعاون داخل الخليج لمواجهة الوباء ستساعد على إعادة بناء الثقة التي تآكلت.