البعض منا لا يعرف كيف يرتب يومه في ظل الانشغالات الكثيرة ومتطلبات الحياة والعمل، وكيف ينظم وقته بين مهام عمله ليحقق النجاح المرجو، وبين أسرته التي لها أيضًا حق عليه، وبين قضاء وقت مع أصدقاؤه.
ولأن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، يمكنا تتبع سيرته صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بكيفية قضاء يومه، والذي كان يوزعه ما بين الله سبحانه وتعالى ونفسه وأهله، فيؤدي العبادات ويوفي بمسؤوليته في حق الأمة وأهله.
قيام الليل
كان أول ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه، يقول :"الحمد لله الذي عافني في جسدي ورد علي روحي"، رواه أحمد.
ثم يستعد صلى الله عليه وسلم للقيام بين يدي الله فيتوضأ ويستاك، ويقيم الليل، ويظل واقفًا يصلي بين يدي الله حتى تتورم قدماه، حتى إن بعض أهله أشفق عليه ذات يوم قائلًا: «يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟!» فقال صلى الله عليه وسلم: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»، رواه البخاري.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها، لما سئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تنام عيني ولا ينام قلبي"، رواه البخاري.
وقالت السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة النبي بالليل "كان ينام أوله ويقوم آخره، فيصلي ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كان به حاجة اغتسل وإلا توضأ وخرج" رواه البخاري.
صلاة الفجر
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفكر في خلق السموات والأرض في جوف الليل حتى قبيل الفجر، يرجع إلى فراشه حتى إذا سمع صوت بلال يرفع آذان الفجر، نهض من فراشه وهو يقول "أصبحنا وأصبح الملك لله".
ولما يسمع النبي صلى الله عليه وسلم الآذان كان يردد ورائه الشهادتين، ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله عندما يقول المؤذن "حي على الصلاة حي على الفلاح.
وعند دخول المسجد كان النب يصلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم أغفر لى ذنوبى وافتح لى ابواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرچيم".
وبعد تكبيرة الإحرام كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالدعاء :" اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، اللهم اغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورتى الكافرون والإخلاص فى نافلة صلاة الفجر، وإذا كان يوم الجمعة، قرأ أول سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر.
عقب الصلاة
عقب الصلاة كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد "استغفر الله" 3 مرات، ثم يتبعها بدعاء "اللهم أنت السلام ومنك السلام..تباركت ياذا الجلال والإكرام"، ويدعو "اللهم أعني على طاعتك وذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
ومن الأذكار التي كان يرددها عقب الصلاة، التسبيح والحمد والتكبير كل منهم 33 مرة، ويختم المئة بـ"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير".
أذكار الصباح والمساء
بعد صلاة الفجر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس ويذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم يجلس مع الصحابة،رضي الله عنهم، ويتحدّث معهم.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي الضحى أربع ركعات، ويزيد عليها في بعض الأحيان، فقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:"كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ ما شَاءَ اللَّهُ".
وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على أذكار الصباح والمساء، فهي بمثابة حصن للمسلم من شر الإنس والجن، وكان فيها ما يحث على النشاط والتفاؤل وترك الكسل والحزن والهم.
ومن أذكار الصباح والمساء "أصبحنا واصبح الملك لله والحمد لله لاشريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، رب اسألك خير مافى هذا اليوم وخير ما بعده وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ، رب أعوذ بك من عذاب فى النار وعذاب فى القبر".
ومن الأذكار "اللهم اسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة، اللهم إنى أسألك العفو والعافية فى دينى ودنياى ومحياى ومماتى ، اللهم استر عوراتى وآمن روعاتى، اللهم احفظنى من بين يدى ومن خلفى وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى وأعوذ بعظمتك ان أُغتال من تحتى".
وكان يدعو أيضا صباحا ومساء :"اللهم عافنى فى بدنى ،اللهم عافنى فى سمعى اللهم عافنى فى بصرى لا إله إلا أنت، اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر وأعوذ بك من عذاب القبر لا اله إلا انت"، ويكررها 3 مرات.
الخروج والعودة إلى المنزل
وإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته قال :"باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله"، رواه أبو دواد والترمذي.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال :"باسم الله توكل على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أًزل، أو أظلم أو أًظلم، أو أجهل أو يُجهل علي"، رواه أبو داود.
وعند العودة إلى بيته كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم إنى أسالك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا".
أعمال البيت
وبعد الانتهاء من الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يرجع إلى بيته الشريف، فيقوم بخدمة أهله، فقد ثبت عنه أنه كان يرقّع ثوبه، ويحلب شاته، ويخصف نعله، ويخدم نفسه.
ولمّا سُئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن أعمال النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيته، فقالت: "كان بشرًا من البشرِ؛ يَفْلِي ثوبَه، ويحلبُ شاتَه، ويخدمُ نفسَه".
أعمال أخرى
ومما ورد لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان كثير الاستغفار، ففي سنن الترمذي وابن ماجه، قال النبي :"إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة"، وفي صحيح مسلم: "وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه وأحوال الناس، ويصل الرحم، ويزور المرضى، ويصوم كل أثنين وخميس من الأسبوع، والثلاثة أيام القمرية، ويحرص على تتبع الجنازة، وإطعام المسكين، وإخراج الصدقات.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي أغلب يومه في الدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإعانة المحتاج، والتشريع، والجهاد.
وعند حلول الليل كان عليه الصلاة والسلام يصلّي بالناس العشاء، وفي حال وجد ما يهمّه من أمر المسلمين كان يجلس مع كبار أصحابه -رضي الله عنهم- ويشاورهم، وإلا سمر مع أهله بعض الوقت.