بينما كان يمر الممرض العشريني بحجر أبو قير، لاحظ سكون يكسوه حزن وخوف وترقب يخيم على غرف المصابين بكورونا، ففكر وخطط ودبر ثم قرر أن يخرجهم من عزلتهم إلى الهواء الطلق كل صباح يمارس معهم التمارين الرياضية مع مرعاة التدابير الاحترازية، وسط أجواء احتفالية يعلوها اغاني تفاؤليه، يرفع من خلالها روحهم المعنوية، حسبما روى لـ "مصر العربية".
شاهد الفيديو
ففي ملعب واسع بعض الشئ بنُزل شباب أبو قير المُخصص للحجر الصحي لمصابي كورونا، حيث يقبع به من لم تستدعي حالتهم دخول الرعاية المركزة، كان المشهد مغايرًا عن غيره من أماكن العزل بفضل صانع السعادة فادي محمد، الممرض صاحب الـ 27 عامًا..
فالمرضى هنا لا تجدهم يلزمون اسرتهم طوال الأربعة وعشرين ساعة، ولكنهم يخرجون في الساعات الأولى من الصباح بعد ارتداء اقنعة الوجه الخاصة بهم، وبرفقتهم ذاك الممرض الذي شجعهم على تلك الخطوة، فيقودهم إلى ملعب واسع ويدعوهم إلى ترك مسافة كافية فيما بينهم، ويقف في المقدمة ليطلق إشارة البداية للجري وهم من وراءه، رجال ونساء يبدو عليهم البساطة من مصابي كورونا..
ففي البداية أخبرنا "فادي" أنه حينما كُلف منذ فترة بتولي مهام عمله داخل عزل المدينة الشبابية بأبو قير، لاحظ الحزن والسكون والخوف يكسو وجوه المرضي، المنعزلين داخل غرفهم، ففكر في أن يرفع روحهم المعنوية بكلام وجلسات ذات طابع ديني مع كل منهم بطرق ، ولكن يبدو أنهم جميعًا ملمون بها ويحفظونها عن ظهر قلب، ولكن تلك المشاعر السلبية لم يستطيع البعض منهم التحكم بها..
هنا قرر "فادي" أن يُغير من خطته ويفكر خارج الصندوق ويحلق بهم خارج السرب، وانتهى به العصف الذهني إلى مبادرة شخصية نابعة من داخله دون تكليف من أحد ودون انتظار مقابلًا أو شكورا من خلال أخذ المرضى كل يومين خارج غرفهم ليمارسوا التمارين الرياضية لرفع روحهم المعنوية، فضلًا عن أنه يعلم أنها من الناحية الصحية سيكون لها أثر ايجابي في رفع مناعتهم وبالتالي ستكون فرصة مقاومة المرض أعلى.
خرج المصابين بملابسهم العادية دون التقيد بثياب التمارين الرياضية، ليمارسوا بعض الألعاب الخفيفة من مشي وجري بسيط.. كان الأمر بالنسبة لهم للوهلة الأولى غريبًا لم يعتده الكثير منهم من قبل سواء داخل العزل أو خارجه، ومع الوقت باتوا يحبوا تلك الساعات.
يقول فادي في اليوم التالي لممارسة تلك التمارين ، كانت معنويات المرضى عالية وتحولت نتائج الكثير منهم من ايجابية لسلبية.
صانع السعادة الذي جاء إلى حجر أبو قير في 5 إبريل الماضي، تابع قائلًا: الرياضة تعمل على سحب الطاقة السلبية وهو ما حدث معهم تلك الليلة، وانعكس على المعسكر بأكمله وتحسنت حالة الكثير منهم.
كما اخبرنا "فادي" أن المصابين في الحجر يخرجون فترتي راحة واحدة خاصة بهؤلاء اصحاب النتائج الايجابية والثانية لمن نتيجتهم تحولت لسلبية، قائلًا: "كل مجموعة بعمل معها نفس البرنامج، نجري ونعمل استرتشات خفيف ونلعب راكت وبعدين نعد نتكلم ونسمع اغاني ويرجعوا بعدها اوضهم"، هكذا يتفاني صانع السعادة في حجر أبو قير "فادي" لرفع الروح المعنوية لمصابي كورونا، واخبرنا أنه يعامل كبار السن بصورة مختلفة وتمارين اقل كثيرًا مع قرع مسامعهم بين الحين والآخر بعبارات الإطراء والتشجيع.
لم تكتف الاجواء التي يصبغها الممرض العشريني على المكان عند هذا الحد، فقبل الافطار في رمضان يتسلل صوت الابتهالات إلى مسامع المرضى، كي تعكس إليهم بعض من روح رمضان التي يفتقدونها بعيدًا عن اسرهم.
أخبرنا "فادي" أنه لم يشعر بالرهبة في التعامل مع مصابي كورونا قائلًا: مررت بمواقف أشد كوني اعمل بالعناية لمدة 9 سنوات.